سليدرمع الآياتنشر حديثاً

أصحاب السبت قصة لن تموت “مع الآيات ـ حلقة 45”

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة 45 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآيتين 65 و66 من سورة البقرة، يقول الله تعالى: 

“وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ”

إن إيرادَ القصص في القرآن الكريم لا يخلو من حكمة وفائدة، تأتي على رأس هذه الفوائد أخذُ العبرة والعظة مما سبق،

ونموذج أصحاب السبت وإن ورد في حقبة بعينها وأُناس بأعينهم، إلا أن هذا النموذج قابل للتطبيق في كل زمان ومكان.

القصة ليست قصة سمك وصيد وحسب، فالأمر أعقد من هذا، جاءت أحداث هذه القصة لتنذر بخطر شديد وهو

قضية التحايل على شرع الله، لتحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحله الله.

إن عُبّاد النص الظاهري وحسب يقعون فريسة لمثل هذا النموذج المنحرف، فقد فهموا حَرفيّة النص، وراحوا يبحثون عن حيلة

فقط للخروج من حيز النص الضيق، فاصطدموا بإشكالية هي الأكبر، اصطدموا بالتحايل على شرع الله، فأصابهم الله بالمسخ وأرذل العقوبات.

احتالوا للتَفلّت من الأمر الإلهي لهم

قوم نهاهم الله عن الصيد في يوم السبت، فاحتالوا للتَفلّت من الأمر الإلهي لهم، حفروا حُفرا ليحبسوا السمك فيها

لصباح الأحد، ثم يخرجونه صباح الأحد، معتقدين أنهم ملتزمون بأوامر الله، ومن حكمة الله تعالى أن الله أغراهم

لأنهم لم يفهموا مراد الله على حقيقته فضلوا وأضلّوا، سهّل الله لهم الحرام ووسّعه، بينما ضيّق عليهم الحلال وأحكمه،

فكان السمكُ يأتيهم بصورة مُغرية في يوم السبت، كأنّه يغريهم أو يتحدّى التزامَهم وصبرَهم على أوامر الله، ويوم لا يسبتون

لا يأتيهم السمك بمعنى أن باقي أيام الأسبوع – المباح فيها الصيد – لا يكاد السمك يأتيهم، بينما يأتيهم فقط يوم السبت،

وقد عبّر القرآنُ الكريم بلفظة “حيتانهم” إمعانا في تسهيل الحرام وتضييق الحلال.

وهو مؤشر خطير، أنه إذا اتّسع الحرامُ وضاق الحلال فاعلم أن هناك خلل ما في المجتمع، وعلى المجتمع آنذاك

أن يعيد حساباته مع لله، إذا ضاق أمر الزواج مثلا، واتسع أمر المخادنة والعياذ بالله، فاعلم أن الأمة في بلاء شديد

واختبارٍ عظيم من لله تعالى.

مسخهم الله تعالى قردة وخنازير

وسمّاهم اللهُ تعالى ووسمَهم بقوله: “اعتدوا”، لأنهم اجترأوا على أوامر الله وافتأتوا على تعاليمه، وعدالة الله لهم بالمرصاد،

مسخهم الله تعالى قردة وخنازير، ليكونوا عبرة لمن أراد أن يعتبر، وردعًا لكل من تسوّل له نفسُه عبوديةَ ظاهرِ النص،

والتلاعبَ بالمعنى المراد، فعل بهم ما فعل ليصبحوا نكالا لمن تأسّى بهم أو حذى حذوهم.

وفي رسالتي هذه أهمس في أذن من يعبدون ظاهر النص، دون ربط الحكم بعلّته وحكمته، أنتم على خطر عظيم،

لأنكم على حافة الانهيار في العلاقة مع الله.

ولا يظن أحدكم أن زمن المسخ قد انقضى وانصرم، فإذا توفرت أسبابه والعياذ بالله، كاد أن يقع بكم، وقد حذر النبي

صلى الله عليه في أحاديث صحيحة من الإتيان بموجبات المسخ. فضلا عن أنه لا يمنع مانع أن يكون المسخُ المراد

مسخًا معنويا أي تظهر صفات القردة والخنازير بين الناس، فيمن يتحايلون على أوامر الله.

نسأل الله العفو والعافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى