
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وحبيب الحق
سيدنا محمد وبعد:
فهذه الحلقة السادسة من حلقات “مع الآيات”
يقول الله تعالى فى أول آيتين من سورة البقرة: “ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه
هدى للمتقين”
وبعيدا عن اختلاف المفسرين حول المراد بالحروف المقطعة التي افتتح الله تعالى
بها تسعا وعشرين سورة من كتابه الكريم، والمعاني الكامنةِ من ورائَها، وما فيها من
إعجاز لغوي وبلاغي وعلاقةِ كل مفتتح بما ورد في سورته، فهذا كله نشطت إليه أيدي العلماءِ الأجلاء وأفاضوا فيها وأثروا
بها المكتبةَ التفسرية.
لا أحد يعلم المراد منها على وجه الجزم واليقين
ولكن ما أودُّ أن أشيرَ إليه في رسالة اليوم هو أن الله تعالى دوما يثبت- لمن يحتاج- قيوميتَه على خلقه وعلى عباده.
وهذه الحروف المقطعة وأمثالها في القرآن لا أحد يعلم المراد منها على وجه الجزم واليقين،
وإنما هي اجتهادات السادة العلماء، كلٌّ يريد أن يستقطبَها لتقرير ما يهدف إليه.
الاحتياج إلى الله تعالى لا ينقطع
ولكن تبقى الرسالةُ الخالدة وهي أن الله تعالى يردُّ الناسَ إليه في الأمور كلها،
وأن العلاقة مع الله ليست مرحلةً أو درجةً يصل إليها العبدُ، وبعدها يستغني أو يستريح،
فالاحتياج إلى الله تعالى لا ينقطع، ليس فقط في الأمور المحسة بل أيضا في تفسير
وبيان المراد من كلام الله تعالى.
والحروف المقطعة مع صغر حجمها وقلة حروفها إلا أنها أعجزت العلماء أن يجزموا بالمراد منها،
والمتدبر في الكون يجد أن هذا النهج سنةٌ من سنن الله تعالى مع خلقه، دوما يقهرهم بالرجوع إليه..
مهما امتلكوا من أسبابٍ ومقدماتٍ.
يثبت الله قيوميته على خلقه بفيروس لا يرى بالعين المجردة
وإن الله هو القاهر فوق عباده، وما أشبه الليلةَ بالبارحة،
فمع هذا الزخم العلمي والتكنولوجي الذي وصل إليه العالم يثبت الله تعالى قيوميته على خلقه بفيروس لا يرى أبدا بالعين
المجردة، فيردُّ الناسَ كلَّ الناسِ إلى سلطان الله وقيوميته،
ويقول الله تعالى: “حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا
فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ”.
وليس هناك ما يمنع أن يكون أمر الله هنا هو قيوميته على خلقه بأي شكل أراد سبحانه وتعالى، ودليله ما نراه في واقعنا،
وظنّ أهل الأرض أنهم قادرون عليها، فتحولت أكبر مدن العالم بفيروس حقير إلى بلاد أشباح.
وعليه فالحروف المقطعة وكثير مما حولنا سر من أسرار الله تعالى يردّ بها خلقه إليه وفق حكمته تعالى.
القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله
وقوله تعالى: “ذلك الكتاب لا ريب فيه”، شهادة ضمنية بأن القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله له،
فهو الكتاب لا غيره، أي الكتاب الكامل في نفسه بحفظ الله له،
والمكمل لغيره لأنه استوعب فيه منهج الصلاح لهم، وذلك يفيده تعريف جزأي الجملة “ذلك – الكتاب”.
وهي صورة من صور التخصيص والقصر أعنى تعريف الجزأين “المبتدأ والخبر”.
شهادة تمكين أخرى
وعليه فالقرآن الكريم بهذا الوصف حصل على شهادة تمكين أخرى من الله تعالى
بأنه هو فقط الكتاب الكامل الذي حفظه الله تعالى لعباده المؤمنين،
فلا ترتابوا فيه أيها الناس، فإنه مضمون بضمان الله تعالى،
الله هو المنزل وهو الحافظ فلا ريبَ فيه يصح
وإنما جاء الأمر بصيغة الخبر للدلالة على أن هذا أمر بدهي طالما أن الله هو المنزل وهو الحافظ فلا ريبَ فيه يصح.
والرسالةُ الأهم في هذه الآية الكريمة قوله: “هدى للمتقين” فلن يرتشف من هَدْىِ القرآنِ إلا من خَلُصَتْ نيتُه، وأعدَّ نفسَه
إعدادا يليق بجلال القرآن القرآن الكريم، حتى يتجلّى عليه الله في قرآنه.
وأما من خَبُثَتْ نيتُه وفسدت طويتُه فنراه يدخل القرآن ويقرأه، بل قد يحفظه أحيانا وفي النهاية ينغمس في مستنقع الإلحاد
والعلمانية الماجنة: “وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا”.
وأنت عزيزى القارئ أصلح نيتك قبل معايشة القرآن الكريم فسترى العجب، سترى أن فيوض الله تعالى تتجلى عليك من خلال
كتابه الكريم عليك،
ويزداد إيمانك، ويزيد يقينك به.
نورتنا يا معالى الدكتور المحترم