سليدرنشر حديثاًوما يسطرون

د. صبرى الغياتى يكتب: “وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم” بين رؤيا الأبصار ورؤيا البصائر

عضو المكتب الفنى لوزير الأوقاف
عضو المكتب الفنى لوزير الأوقاف

لو أن هناك رجلين أخوين أفاض الله لأحدهما في العطاء، فكان عنده من المال الكثير والكثير، وكان عنده من البيوت والسيارات

وأسباب الرفاهية ما يتطلع إليه الكثير من الناس، وأما الرجل الآخر فقدر الله عليه رزقه وقتر الله عليه في عيشه

فكان لا يملك إلا قوت يومه وليس عنده من الدور إلا بيت بسيط وليس عنده من السيارات وأسباب الرفاهة ما لأخيه،

هنا ينظر الناس جميعا إلى الرجل الأول على أنه ذو حظ عظيم، فإن الله تعالى أكرمه ونعمه،

وأما الرجل الآخر فينظر الناس إليه على فقره وقلة ذات يده على أن الله قتر عليه وضيق الله

عليه في العيش فحظه في نظر الناس بئيس فقير.

ولو أن رجلا تزوج امرأتين فأعطى إحداهما ألفا وأعطى الأخرى مائة لحسد الناس صاحبة الألف

وترحموا على الأخرى، فإن الأولى ذات حظ عظيم.

حقيقة الحظ العظيم بين أهل البصر وأهل البصيرة

وسوف أسوق هنا مثالين يكشفان عن حقيقة الحظ العظيم بين أهل البصر وأهل البصيرة:

أما المثال الأول: فهو عندما غنم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حنين غنائم كثيرة وأخذ يوزعها في أهل مكة

ويعطيهم عطاء عظيما وترك الأنصار، فما نظر إليهم في العطاء حتى وجد الأنصار على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

وقال أهل السير: “لمَّا أعْطى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أعْطى من تلك العَطايا في قُرَيشٍ وقَبائِلِ العَرَبِ،

ولم يكُنْ في الأنْصارِ منها شَيءٌ، وَجَدَ هذا الحَيُّ من الأنْصارِ في أنْفُسِهم؛ حتى كَثُرَت فيهم القالةُ؛

حتى قال قائِلُهم: لَقِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَومَه، فدَخَلَ عليه سعدُ بنُ عُبادةَ، فقال: يا رسولَ اللهِ،

إنَّ هذا الحَيَّ قد وَجَدوا عليكَ في أنْفُسِهم؛ لِمَا صَنَعتَ في هذا الفَيءِ الَّذي أَصَبتَ؛ قَسَمتَ في قَومِك،

وأعْطَيتَ عَطايا عِظامًا في قَبائِلِ العَرَبِ،

ولم يَكُ في هذا الحَيِّ من الأنْصارِ شَيءٌ، قال: فأين أنتَ من ذلك يا سَعدُ؟

قال: يا رسولَ اللهِ، ما أنا إلَّا امرُؤٌ من قَومي، وما أنا؟! قال: فاجْمَعْ لي قَومَك، قال: فخَرَجَ سَعدٌ، فجَمَعَ الأنْصارَ، قال:

فلمَّا اجتَمَعوا أتاهُ سَعدٌ، فقال: قد اجتَمَعَ لكَ هذا الحَيُّ من الأنْصارِ، قال: فأَتاهُم رسولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ـ، فحَمِدَ اللهَ

وأثْنى عليه بالَّذي هو له أهْلٌ، ثُمَّ قال: يا مَعشَرَ الأنْصارِ، ما قالَةٌ بَلَغَتْني عنكم، وجِدَةٌ وَجَدتُموها في أنْفُسِكم؟!

أَلَمْ آتِكم ضُلَّالًا فهَداكمُ اللهُ؟ وعالةً فأغْناكمُ اللهُ؟ وأعداءً فألَّفَ اللهُ بيْنَ قُلوبِكم؟ قالوا: بَلِ اللهُ ورسولُه أمَنُّ وأفضَلُ،

قال: ألَا تُجيبونَني، يا مَعشَرَ الأنْصارِ؟

قالوا: وبماذا نُجيبُكَ يا رسولَ اللهِ؟ وللهِ ولرسولِه المَنُّ والفَضْلُ، قال:

أمَا واللهِ لو شِئتُم لَقُلتُم، فلَصَدَقتُم وصُدِّقتُم، أَتَيتَنا مُكذَّبًا فصَدَّقْناك، ومَخذولًا فنَصَرْناك، وطَريدًا فآوَيْناك، وعائِلًا فآسَيْناك،

أوَجَدتُم في أنْفُسِكم يا مَعشَرَ الأنْصارِ، في لُعاعةٍ من الدُّنيا، تَألَّفتُ بها قَومًا لِيُسلِموا، ووَكَلتُكم إلى إسْلامِكم،

أفَلا تَرضَوْنَ يا مَعشَرَ الأنْصارِ، أنْ يَذهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعيرِ، وتَرجِعون برسولِ اللهِ في رِحالِكم؟ فوالَّذي نَفْسُ مُحمَّدٍ بيَدِه،

لولا الهِجْرةُ لَكُنتُ امرَأً من الأنْصارِ، ولو سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وسَلَكَتِ الأنْصارُ شِعْبًا، لَسَلَكتُ شِعْبَ الأنْصارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأنْصارَ،

وأبْناءَ الأنْصارِ، وأبْناءَ أبْناءِ الأنْصارِ! قال: فبَكى القَومُ، حتى أخْضَلوا لِحاهُم، وقالوا: رَضِينا برسولِ اللهِ قَسْمًا وحَظًّا،

ثُمَّ انصَرَفَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتَفَرَّقوا “.

أيهما ذو حظ عظيم؟

والمثال الآخر: من بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو بيوتات زوجاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

فقد ذكر أهل السير أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعد لبعض حجراته ما يكفيهم السنة،

ولم يكن يعد ذلك لكل حجراته بل كان يعده لمن علم أن في قلبها ضعف، وأما من كانت صاحبة يقين

فما كان يعد لها أكثر من قوت يوم ونصف،

ترى .. أيهما ذو حظ عظيم؟

أهؤلاء الذين أعطاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عطاء جزيلا أم هؤلاء الذين وكلهم إلى إيمانهم ويقينهم بالله؟

أهذه التي كان يعد لها ويعطيها ما يكفيها عاما كاملا أم تلك التي وكلها إلى يقينها؟

لا شك أن أهل البصر الظاهر يرون الحظ العظيم في العطاء الواسع، وأن المرأة التي يعطيها زوجها فأجزل لها العطاء هي ذات الحظ العظيم،

ولكن أهل البصائر يدركون تماما أن الرجل الذي قتر الله عليه في الرزق ووهبه اليقين خير وأكثر حظا

ممن فتح الله عليه في الدنيا،

وأن الأنصار كانوا أعظم حظا من غيرهم ويكفي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان هو قسمهم،

وهل أعظم من ذلك الحظ، وأن تلك التي ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعد لها أكثر من قوت يومها

أعظم حظا من التي كان يعد لها قوت السنة؟.

تلك هي نظرة أهل البصائر وتلك هي نظرة أهل العلم والإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى