إذا لم تستح فاصنع ما شئت.. “مع الآيات ـ حلقة 39″
حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

فى الحلقة 39 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآيات من 55 إلى 57 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:
“وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”.
قالها النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما يعني ما فيها من تربية سُلوكية وعقائدية في ذات الوقت،
إنه الحياء الذي يمنع صاحبَه أن يتلبّس بسفاسف الأمور، حتى لا يفتضحَ أمرُه وتظهر حقيقتُه.
الحياءُ يا سادة صمّامُ أمان أمام صغار الأمور وما لا يفيد منها، وقد رأينا القوم لما انعدم حياؤهم،
وكانت مطالبهم سخيفةً، ولا محل لها من العقل، وصل بهم الحال من جرّاء انعدام الحياء لديهم أن طلبوا من نبيهم
موسى عليه السلام أن يريهم الله جهارا نهارا، مع أن الأمر ليس مقصودا لذاته، إنما دعاهم موسى – شأن جميع الأنبياء –
أن يحسّنوا أخلاقهم، ويعبدوا الله لا شريك له، فطالبوه أن يريهم هذا الإله، وذلك لأنهم قوم لا يؤمنون إلا بالمادة،
ولا يثقون إلا بما تراه أعينهم وما تحسّه حواسهم، وجهلوا أن الإيمان بالغيب هو محكّ الاختبار والعقيدة،
لأن الإيمان بالظاهر المرئي ليس فيه عظيم جهد،
فماذا عليك لو آمنت بالشمس التي تراها كل يوم؟، وماذا عليك لو آمنت بأن السماء فوقك والأرض تحتك؟
هل يتطلب هذا منك عظيم جهد؟ أبدا.
لله تعالى نواميس وسنن لا تتبدل ولا تتغير
ولذلك كان الإيمان بالله تعالى بالدرجة الأولى هو إيمان بالغيب، وكذلك أول ما امتدح الله تعالى به عباده في سورة البقرة
أنهم يؤمنون بالغيب، فهم المتقون بحق لا غيرهم: “هدى للمتقين* الذين يؤمنون بالغيب..”
لكن لله تعالى نواميس وسنن لا تتبدل ولا تتغير من أجل قوم أو من أجل جماعة، فسنن الله لا تحابي أحدا مهما كان الإغراء،
ومن سنن الله تعالى أنه لا يرى في الحياة الدنيا، فسبحانه “لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير”.
طلبوا أن يريهم الله جهرة، فجاء الجواب عليهم صفعةً على وجوههم وتعليمًا لمن سولت له نفسُه أن يتجاوز الحدودَ مع الله تعالى،
أخذتهم الصاعقةُ جهارا نهارا بَيانا، ليكونوا عبرةً لمن يعتبر، إن من غاب عقلُه فقط هو من لا يقدّر الله تعالى حق قدره،
فيغريه تودد الله تعالى لعباده وهو الغني عنهم “وما قدروا الله حق قدره والأرضُ جميعا قبضتَه يوم القيامة والسمواتُ مطويات بيمينه”.
بنو إسرائيل أُشربوا فى قلوبهم حب المعصية والعناد
ولكن رحمة الله أوسع بعباده فيعفو عنهم مرةً أخرى ويبعثهم من بعد موتهم ليبيّن لهم أنهم
في قبضة الله إذا شاء فعل بهم ما يريد سبحانه وتعالى.
وتستمر هذه السلسلة من نعم الله تعالى على بني إسرائيل يقابلها تبجحٌ وعنادٌ وخبثُ طويةٍ منهم لموسى ودعوته،
آتاهم الله الغمام يحميهم من حرارة الشمس، آتاهم المن والسلوى، لكنهم أُشربوا حب المعصية والعناد،
ووقعوا في شَرَكِ المعصية، وهم في هذه الحالة ما ظلموا إلا أنفسهم، لأن الله تعالى لا تنفعه طاعة من أطاع،
ولا تضره معصية من عصى، نسأل الله العفو والعافية.