سليدرمع الآياتنشر حديثاً

إن الله لا يحب المفسدين.. “مع الآيات ـ حلقة 41″

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة 41 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآية 60 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:

“وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا

قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ”.

كانت هذه هي المرّة الوحيدة التي التزم بها بنو إسرائيل، فالتزم كلُّ سبطٍ بعينٍ من الماء لا يختلطون ولا يختلفون،

وهنا السؤال: لماذا التزم بنو إسرائيل هنا، وهنا فقط دون غيرها من المواقف؟

والإجابة: لأن الأمر هنا يتعلق بحياتهم، إنه الشراب الذي إذا نفد نفدت معه حياتهم، فلما

رأوا هذا التهديد يتعلق بحياتهم – وهم أحرص الناس على حياةٍ كما أخبر القرآنُ الكريم – هنا، وهنا فقط التزموا وشرِب كلُّ

سبط ٍ منهم من العين التي حددها لهم موسى عليه السلام.

فلما سار بنو إسرائيل مع موسى في أرض سيناء وطال بهم الأمد، ونفدت مياههم وزادهم، التجأوا إلى سيدنا موسى يطلبون

منه السقيا، وقد سأل موسى ربه أن يسقى بنى إسرائيل الماء بعد أن استبد بهم العطش، عندما كانوا في التيه،

فعن ابن عباس أنه قال: “كان ذلك في التيه، ضرب لهم موسى الحجر، فصارت منه اثنتا عشرة عينا من ماء،

لكل سبط منهم عين يشربون منها”

وعرض موسى عليه السلام طلبهم على الله تعالى، وكان الله تعالى أكرم منهم فلم يعاملهم بمعاملتهم، فالرب رب..

والعبد عبد، وأخلاق الرب لا تقاس أبدا بأخلاقيات العبيد.

الرب يقدم الشفقة والرحمة على عبيده فما بالكم بعباده؟

الرب يعفو ويسامح، الرب يعطي ولا ينتظر المقابل، الرب يقدم الشفقة والرحمة على عبيده فما بالكم بعباده،

فإلى هؤلاء الذين يقنطوننا من الله، نقول لهم: انظروا كيف عامل الله من عانده وافتأت عليه؟ لتتبينوا كيف تكون معاملتُه

مع أوليائه وأصفيائه، حتى وإن ضعفت نفوسهم وقتًا ما، فهم مازالوا معرضين لعفو الله وكرمه ومنّه ومغفرته.

ومعنى الآية الكريمة: واذكروا يا بنى إسرائيل وقت أن أصاب آباءكم العطش الشديد وهم في صحراء مجدبة، فتوسل إلينا

نبيهم موسى – عليه السلام – في خشوع وتضرع أن أمدهم بالماء الذي يكفيهم، فأجبناه إلى ما طلب، إذ أوحينا إليه:

“أن اضرب بعصاك الحجر” ففعل، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا بمقدار عدد الأسباط، وصار لكل سبط منهم مشربًا يعرفه

ولا يتعداه إلى غيره، وقلنا لهم: تمتعوا بما منَّ الله به عليكم من مأكولٍ طيب ومشروب هنيء رزقكم الله إياه من غير تعب

ولا مشقّة، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ فتتحول النعم التي بين أيديكم إلى نقم وتصبحوا على ما فعلتم نادمين.

وفي آخر الآية تكمن الرسالة العظيمة، كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين، لا تقابلوا نعم الله بالتجبر

والعناد، إن نعم الله تعالى تزول بالتسلّط وعدم التقدير، نِعمُ اللهِ تحتاج إلى شكر حتى تتقيّدَ لدينا، أما مقابلةُ النعم بالمعاصي

فهذا نذيرُ ذهابِها، وما أمر الله تعالى به بني إسرائيل هو منهجٌ لكل عبدٍ صالحٍ في الحياة، أن يأكلَ ويشربَ

من رزق الله ولا يفسد في الأرض، فالله تعالى خلق الأرض على هيئة الصلاح وطالبنا باستعمارها، فلا تخونوا الله تعالى

في مراده منكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى