مع الآياتنشر حديثاً

ابتلاء عظيم.. “مع الآيات ـ حلقة 34″

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة 34 من سلسلة حلفات “مع الآيات” نتناول الآية 49 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:

“وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ”.

يمتن الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل بنعمه العظيمة عليهم، إذ كانوا يعيشون عيشة هينة ملؤها الذل والهوان

حكم فرعون الذي عثا فيهم فسادا، ملك رقابهم قبل أقواتِهم، سخرهم لخدمته فقط وتخليد اسمه هو فقط،

ووصل من جبروت سطوته أن أعمل القتلَ في ذكورهم وترك نساءهم، وذلك لِمَا رأى من رؤيا في منامه أرّقت مضجعَه،

وفسّرها لها العارفون بأنه سيخرج من قومه من يمثّل خطرا على مملكته، وشأن من لا يملكون حجة، يهرعون إلى القتل

المباشر لفراغ دلوهم.

فرعون يترصد الحوامل ومن على وشك الولادة

وعلى الفور أمر فرعونُ بترصد الحوامل ومن على وشك الولادة، فإن أتت بذكر قتلوه، وإن أتت بأنثى تركوها،

وهكذا يدمّر الإنسانُ نفسه ومن حوله لمجرد وهمٍ أو سرابٍ يطلبه، وهكذا حب الملك والتملك يعمي الإنسان

عن كثير من الحقائق، وصدق حبيبنا ـ صلى الله عليه وسلمـ: “حبُّك الشيء يعمى ويصم”، فحب التملك من فرعون

أعماه عن رؤية الحق، فلا يرى إلا نفسه ومتطلباته هو وحسب، وليذهب من دونه إلى الجحيم، هذا هو الفكر الأُحادي

الذي نعاني منه في كل عصر وفي كل مصر، ألّا يرى الإنسان سوى نفسه متجاهلا أفكار الآخرين وحياتهم.

من علامات الفكر الضال

إن من علامات الفكر الضال الاعتقاد فقط فيما يعتقد هو دون غيره، وأن يعتقد أن الدنيا وما فيها ومن فيها لابد أن تكون في خدمته هو فقط، لا يؤمن بالتعددية، ولا يؤمن بالتبادل السلمي بين الناس، وإنها والله لمصيبة لمصائب. فالفكر الضال لا يأتي أبدا بالخير.

إن قدر الله لا يعاند أبدا، ولطلاقة قدرة الله في خلقه يفعل ما يشاء وإن كان مخالفا لما اعتاده البشر أو يتوقعونه، لأن أفعاله تعالى بين الكاف والنون، ولا تتوقف على أسباب ولا ومسببات، بل هي أوامر مباشرة حتى يثبت تعالى قيوميته على خلقه وكونه، وإنما جعلت الأسباب ليحترمها الإنسان في جميع أعماله حتى لا تفسد الدنيا، أما أفعال الله فهي غير مسببة، وغير مترتبة على الأسباب، ولذلك كان من قدر الله تعالى أن وُلد سيدنا موسى في ظل هذه القرارات الغاشمة الظالمة، والتي سماها القرآن الكريم ذاته: “بلاء عظيم”، نجى الله تعالى موسى من القتل، وحتى يقر الجميع بقدرة الله وقيوميته على خلقه، يتربى – بأمر من الله – موسى عليه السلام – وهو من يوكل إليه هدم المملكة الفرعونية – في بيت فرعون، والله إنها لمحة يقف عندها العقل مشدوها مُقرّا بقدرة الله وقيوميته.

فموسى عليه السلام العدو الألدّ لفرعون يربيه فرعونُ ويشرف على تربيته وينفق عليه حتى يشتدَّ عضده، بينما موسى السامري صاحب فتنة بني إسرائيل الذي صنع لهم العجل في غياب سيدنا موسى عندما ذهب لميقات ربه، يربيه جبريل عليه السلام.

خطط ما شئت، وفكر ما شئت فإن لله تعالى تدبيرا آخر، سيدهشك بتدبيره سبحانه وتعالى.

أيها العبد الفقير إلى الله باشر الأسباب بأمر من الله لكن دع النتائج على الله فأنت مكلف بالسير لا بالوصول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى