اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.. “مع الآيات ـ حلقة 33″
حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

فى الحلقة 33 من سلسلة حلفات “مع الآيات” نتناول الآية 48 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:
“وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ”
جميل أن ينصحنا الله تعالى قبل فوات الأوان، جميل أن ينبهنا بالخطر قبل مداهمته،
إن الذين يرون في الآية تهديدا، قلوبهم مظلمة، لا يرون عظيم نعم الله علينا وما امتنّ به علينا،
أن أبان لنا الطريق، ووضح لنا خطورته وعواقبه، ومن هذه الآية أخذ العلماء والقانونيون مبدأ “لا تجريم إلا بنص”
وهي رحمة القانون أنه لا يأخذ الناس على حين غفلة، بل ينبه وينصح ويجرم بعض الأفعال ويوضح عقوبتها ثم يبدأ في تطبيق هذه القوانين،
القرآن الكريم يهدف إلى إسعاد الناس في الدارين
والقرآن الكريم كان أسبق إلى هذا المبدأ الواعي، الذي لا يتشفّى في أحد بقدر ما يريد منهم الصلاح،
لا يتشوّف إلى تعذيب أحد بقدر ما يهدف إلى إسعاد الناس في الدارين.
وهنا يبيّن الله تعالى لبني إسرائيل وغيرهم ممن يأتي بعدهم أن يوم القيامة آت لا محالة،
ومن أحكام هذا اليوم ومن أخص صفاته أنه يوم لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا،
فكل أمرئ يحاسب عن نفسه فقط، فلا تزر وازرة وزر أخرى، وكل نفس بما كسبت رهينة،
وآيات القرآن الكريم تؤكد كثيرا هذا المعنى: “اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا”
الجميع تحت عفو الرحمن ورحمته
ومن أحكام هذا اليوم أيضا أنه ليس فيه شفيع لأحد إلا من بعد أن يأذن الله ويرضى،
والجميع تحت عفو الرحمن ورحمته، إن شاء عذبهم وإن شاء عفى عنهم، في هذا اليوم الكل يقول:
نفسي نفسي، الكل يبحث له عن ملجأ أو منجى، الكل لا يفكر إلا في نفسه وكيف سبيل النجاة لنفسه وحسب،
يقول الله تعالى فى سورة عبس: “یَوۡمَ یَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِیهِ * وَأُمِّهِۦ وَأَبِیهِ * وَصَـٰحِبَتِهِۦ وَبَنِیهِ * لِكُلِّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ شَأۡنࣱ یُغۡنِیهِ” (34 ـ 37).
الأمر في النهاية موكول لله وحسب
والشفاعة ان يتوسط احد لأحد أو يشفع له عند الله، وهذا كله مرهون بموافقة الله تعالى، لا أحد يشفع بذاته من دون الله، إذن الأمر في النهاية موكول لله وحسب، وإن غاية ما يملكه العبد هو أن يحسن الظن بالله، وأن يحسن العمل، مع الاعتقاد بأنه لن يدخل أحد الجنة بعمله إلا أن يتغمده الله برحمته، إلا أن العمل سبب من أسباب دخول الجنة راجين في الله الخير، معتقدين ان الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
الفرق بين الشفاعة والعدل
وكما لا يقبل الله الشفاعة لأحد عن أحد إلا من بعد إذنه، فهو كذلك لا يقبل عدلا، والفرق بين الشفاعة والعدل هنا، أن الشفيع يتوسط دون ان يقدم فداء للنفس التي يريد أن يشفع لها، أما العدل فهو أن يفتدي النفس التي يريد أن يعدل عنها بما يملك، وكأنها مقايضة ومعاوضة ومساومة.
في هذا اليوم لا يقبل الله شفاعة لأحد ولا يقبل عدلا لأحد استوجب العقاب من الله، فمن ينصر أحدا من الله، ولذلك ذُيّلت الآية بقوله تعالى:”وما لهم من ناصرين” أي ليس للنفس المذنبة التي استحقت العقاب من الله ليس لها ناصر من دون الله إلا الله ذاته، سبحانك لا ملجأ منك إلا إليك.