سليدرمع الآياتنشر حديثاً

اذكروا نعمة الله.. “مع الآيات ـ حلقة 32″

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة الثانية والثلاثين من حلقات “مع الآيات” نتناول الآية 47 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:

“يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ”.

هذا أول نداء في القرآن الكريم لبني إسرائيل وهو نداء مفعم بالاحترام والمودة والتقدير لأصحاب كتاب سبق نزوله نزول القرآن الكريم،

فهم يفترض فيهم أن يكونوا أسرع الناس إيمانا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم  فهم أصحاب كتاب،

ومما يهجم علينا من خلال هذه الآية، هذه الحنكة في الدعوة إلى الله تعالى بهذا الأسلوب الراقي

الذي لا يعرف طريق التجريح ولا التهكم ولا الاستخفاف ولا الحط من أقدار الناس،

الدروس والعبر فيها كثيرة جدا

وهذه الآية مع قلة حروفها وكلماتها إلا أن الدروس والعبر فيها كثيرة جدا، نهمس بها في آذن الدعاة والتربويين الذين يتصدرون المشهد الدعوي والتثقيفي.

أولا: خاطبهم القرآن الكريم بهذا الوصف الذي يردهم في عجالة ولمحة خاطفة إلى تاريخ هذا النبي الصالح والرجل الصالح

يعقوب بن اسحق بن إبراهيم عليهم جميعا السلام، يردهم إلى موقفه عندما اختار دين الله ووصى به أولاده أن يتمسكوا

بالدين،فكأنّ القرآن الكريم هنا يردهم إلى هذه المواقف حتى يبني عليها طلبه منهم، قائلا لهم:

يا أولاد هذا النبي الصالح والرجل الصالح يعقوب لا يليق بكم أن تعاندوا القرآن فيما يأمركم به او ينهاكم عنه،

فأنتم أولاد رجل ونبي صالح، تماما كما قال القوم لمريم عليها السلام:

“يا أخت هارون ما كان أبوك أمرئ سوء وما كانت أمك بغيا”، فردوها إلى تاريخ أخيها الناصع، كأنهم يقولون لها لا يليق بك إلا الطهارة والعفة.

وهنا أيضا يشير القرآن إلى تاريخهم وأنهم من سلالة طاهرة فلا يليق بهم إلا اتباع الأنبياء.

القرآن ناداهم بوصف محبّب لنفوسهم

ثانيا: ناداهم القرآن الكريم وخاطبهم بأحب الأسماء لديهم فلم يجرّحهم أو يستخف بهم أو يسفّه من قدرهم بل ناداهم

بوصف محبّب لنفوسهم فقد كانوا يفخرون بنسبتهم ليعقوب وإبراهيم عليهما السلام، فيا أيها الدعاة لا تُغلظوا على الناس

في الخطاب، ولا تستخفوا بآرائهم ولا بأفعالهم حتى ولو كانت مخالفة لما تهدفون إليه، بل خاطبوهم بالحسنى وقدّموا اللين على الغلظة في القول.

ثالثا: القرآن الكريم قدّم أسلوب الترغيب على الترهيب فطالبهم بتذكر النعمة التي منّ الله بها عليهم وهو أنه تعالى فضلهم على عالمين زمانهم،

وأرسل إليهم رسله ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ولولا أنه أراد بهم الخير ما بعث إليهم أنبياءه، ويمكننا أن نشير في عجالة إلى أنه هناك فرق بين أمه يذكرها الله بالنعمة كبنى إسرائيل وبين أمة يذكرها الله بالمنعم ذاته،

نعم الله على العباد كثيرة ولا يستطيعون حصرها

وهي أمة النبي صلى الله عليه وسلم حيث خاطبنا بقوله:” فاذكروني أذكركم”. فبنوا إسرائيل ولأنهم أناس ماديون ردهم إلى المادة وذكرهم بها، أما أمة النبي صلى الله عليه وسلم فهي أمة يتجاوز إيمانها المادة، فثقتها بالله أكبر من ثقتها بالنعمة، ولذا ذكرنا الله بالمنعم ذاته جل وعلا.

رابعا: نعم الله على العباد كثيرة ولا يستطيعون حصرها: “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها”

خامسا: تفضيل بني إسرائيل كان على عالمين زمانهم، وليس تفضيلا مطلقا على كل الأمم،

فيا ليت الدعاة والعلماء يقتدون بالقرآن الكريم في الدعوة إلى الله، فيقدمون اللين على الغلظة، والترغيب على الترهيب،

والتحبب إلى الله على التنفير من التقرب إليه سبحانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى