مع الآيات
أخر الأخبار

“البسملة” كلها رحمة .. “مع الآيات حلقة 1”

حلقات يكتبها : أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

القرآن الكريم هو الرسالة الخالدة، والمعجزة الباقية الملزمة، ضمنه الله تعالى منهجه الذى ارتضاه لأمة الإسلام.

وكتاب الله هو الكتاب المعجز الذي أنزله الله – سبحانه وتعالى – على قلب نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم –

وذلك لهداية الناس، وإخراجهم من ظلمات الشرك والجهل التي غرقوا فيها، إلى نور الله تعالى وهدايته.

وهذا القرآن لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد، قال تعالى: “قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ

مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا”

(109- سورة الكهف).

ولا غرابة فى أن نجد القرآن الكريم يرسل رسائل إصلاح وهداية يدركها من أمعن النظر في جميع آياته،

بل في كلماته النورانية.

 رسائل يبثها القرآن بين كلماته وحروفه المباركة

 

ولذلك ستجدنى هنا عزيزى القارئ، فى هذا الباب: “مع الآيات” أتلمس هذه الرسائل التي يبثها القرآن

بين كلماته وحروفه المباركة، بعيدا عن خلاف المفسرين ومشاربهم.

وقد تجتمع عدة آيات في رسالة واحدة، وقد تظللنا أكثر من رسالة في آية واحدة، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.

والرسالة الأولى في البسملة: “بسم الله الرحمن الرحيم”

وهذه البسملة لا تخلو من رسالة بالغة، وهي أن كل عمل لابد أن يبدأه العبد ببسم الله،

مستمدا العون والمدد من الله تعالى،

 

وحتى لا ينقلب العمل وبالا على صاحبه، وحتى يضمن العبدُ ثوابَ عملِه في الآخرة فضلا عما يحصله في الدنيا.

بدأ الله تعالى قرآنه بالرحمة التي شملت ووسعت كل شيء،

 

وعليه فمبدأ الصلاح في الأفعال لابد وأن ينطلق من مبدأ الرحمة.

الرحمة في كل شيئ، ومع كل شيئ، فليس عبثا أن يقول الله تعالى:

“.. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ” (156- الأعراف).

وليس عبثا أن يكتب – جل في علاه – عنده فوق العرش:

“إن رحمتى سبقت غضبى”،

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي”

رواه البخاري (7453)، ومسلم (2751).

 

و بالرحمة: خلقنا الله وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، وبالرحمة:

أرسل الله إلينا الرسل والأنبياء يرشدوننا ويهدوننا إلى الطريق المستقيم. وبالرحمة: يعاملنا الله تعالى، فلا يمنع خير ما عنده

بخبيث ما عندنا. وبالرحمة: يحاسبنا الله يوم القيامة فيعفو ويستر ويغفر، ويسامح ويرحم،

بل تتجلى صفة رحمته تعالى حتى مع انتقامه وجبروته، ولهذا طمع في رحمته حتى إبليس.

وقرن إبراهيم ـ عليه السلام ـ اسم الله الرحمن بالعذاب في قوله لأبيه: “إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن”.

وبالرحمة: امتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب

لانفضوا من حولك”.

حتى الحيوانات غمرتها هذه الرحمة

 

والله تعالى أودع في قلوب عبادة رحمة يُعرفون بها، ويتعاملون بها مع كل شيئ من حولهم،

حتى الحيوانات غمرتها هذه الرحمة،

وفى وصية نبينا – صلى الله عليه وسلم – بالحيوانات حتى ساعة أن تقاد إلى الموت:

“فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبيحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته”.

إنه دين الرحمة يا سادة، فتراحموا يرحمكم الرحمن.

أ. د. عبد الشافي الشيخ

أستاذ الدراسات العليا

فى التفسير وعلوم القرآن الكريم

جامعة الأزهر الشريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى