
مهندس مصرى
مقيم فى المدينة المنورة
لفت نظري مقال رائع للأستاذ محمد الحاجي يتطرق فيه إلى علم التجهيل بعنوان: “هندسة الجهل”، فأثار رغبتي في عرض
هذا المصطلح، فمن المعلوم أن المعرفة هي أكبر قوة وأهم سلاح، ولاتقل أهميتها عن سلاح السطوة والنفوذ والجيوش بل
تزيد. وأصبحت مراكز البحث العلمي من أولى اهتمامات الدول المتقدمة.
ولذلك نشأ اختصاص: “إدارة الفهم Perception Management” في معظم الأوساط الأكاديمية والسياسية.
ويعرف هذا الاختصاص بأنه: “أي محاولة لنشر معلومات أو أى حذف لمعلومات لأجل التأثيرعلى تفكير الجمهور والحصول على نتائج يستفيد منها أصحاب المصالح”.
ويحتاج ذلك إلى قدرة علم النفس والسلوك والإدراك ويستخدم في الاتجاه المطلوب.
خلق وإشاعة الجهل بطرق علمية مدروسة

وفي المقابل، في تسعينات القرن الماضي قام العالم “روبرت إن بروكتور Robert Proctor” بعكس هذا التخصص فيما عرف بـ “علم الجهل Agnotolgy” ويعرف بأنه:
“العلم الذي يدرس خلق وإشاعة الجهل بطرق علمية مدروسة لأغراض معينة،
وكان انعكاسا لما لاحظه العالم”روبرت” من إعلانات شركات الدخان التي تهدف إلى
تجهيل الناس من ناحية مخاطر التدخين.حيث تبيّن له أن أهم تكتيك لنشر الجهل
كان عن طريق “إثارة الشكوك في البحوث العلمية التي تربط السرطان بالتدخين”.
ومن هذا التاريخ قامت شركات الدخان في أمريكا بعمل أبحاث علمية متتالية ملفقة
هدفها تحسين صورة التدخين في المجتمع ونشر الجهل حول مخاطره.ويتضح هنا أن الجهل لم يعد مجرد عدم المعرفة،
بل أصبح مُنتَجا يتم خلقه ونشره لأهداف معيّنة، غالبًا سياسية أو تجارية.
العلاقات العامة
ولنشر هذا الجهل بين طبقات المجتمع، أتت الحاجة لمجال العلاقات العامة، فبواسطته تم تضليل الرأي العام الأمريكي
وتوريطه في حروب سابقة وأشياء أخرى حالية، بما سمي بالـ “Creel Committee”.
وهذا التضليل كان استراتيجيا ومدروسا وممنهجا حسب أساسيات علم الجهل، الذي تعتمد أساسياته على ثلاثة محاور:
1- نشر الخوف.
2- إثارة الشكوك.
3- خلق جو من الحيرة.
محور نشر الخوف
وأوضح مثال عليه هو ما تقوم به الجماعات الإرهابية لجذب المجندين لصفوفها فتجتهد في إثارة الرعب لدى السذج، بأن
المجتمع واقع في خطر الشرك الأكبر المخرج من الملة، والموجب للجحيم الأبدي في الآخرة، فيمتليء الساذج رعبا ويطلب
النجاة، ويلاحقوه بأنه هالك إذا ما تخاذل عن نصرتهم، بزعمهم أنهم وحدهم أهل الإيمان وغيرهم أهل الكفر، ويأتون بأبحاث
شرعية ملفقة لا يدرك تلفيقها الشاب العادي في خضم هالة الخوف التي دخلها، وبالتالي فنصرة أهل الإيمان واجبة والتخلي
عن نصرتهم كفر، والكافر مصيره نار جهنم خالدا فيها أبدا.
فيسقط الشاب في فخ الرعب من الحالة العامة ورفض المجتمع وبغضه فيستغلون ذلك الخوف في تنفيذ مصالحهم وأجنداتهم.
فبداية يتم صنع أعداء للدين حسب رغبتهم، وشحن طاقة البغض لدى الشاب المخدوع، ويتم ترهيبه بالمصير المخيف الذي
ينتظره في الدنيا والآخرة، إذا لم يشارك في هذا الجهاد المقدس، وكأن النار تنتظره إذا لم يشارك، والجنة تنتظره إذا شارك.
ولا يوجد دافع لدى الشباب أقوى من الوعد بالنعيم الأبدي، ولا رادع أخوف من الوعد بالجحيم الأبدي، ولذلك يمكنهم إقناع
الشباب بتفجير أنفسهم واستخدامهم كقنابل بشرية أو معاول هدم بكل سهولة.
إثارة الشكوك
وأما “إثارة الشكوك” فهى ثاني محاور علم التجهيل، وغالبا ما يتم استخدامه في القطاع التجاري، وتستخدمه الكثير من
الشركات الجشعة.
فمثلا بعد هبوط مبيعات شركة مشروبات غازية عالمية مشهورة بنسبة 25% تقريبا، بسبب علاقة المشروبات الغازية وحدوث
السمنة القاتلة، بدأت الشركة بدفع ما يقارب خمسة مليون دولار لباحثين أكاديميين للقيام بمهمة تغيير وعي المجتمع حول
أسباب السمنة، وذلك بتصغير دور المشروبات الغازية في انتشار السمنة وإسقاط الضوء، وإلقاء اللوم على عدم ممارسة الرياضة في ظهور السمنة.
وكذلك فعلت شركات انتاج السمن النباتي عندما لفقوا أبحاثا تبرهن على ضرر السمن الطبيعي وتسببه لحدوث “الكوليستسرول” الضار، وأن السمن النياتي صحي وآمن.
ومثل هذه الأبحاث المدفوعة الخادعة يتم نشرها لإثارة الشكوك في الذهن الجمعي حتى يعيد توجيهه بما يحقق أهداف هذه الشركات المفتقدة لأقل مباديء القيم الأنسانية.
خلق جو من الحيرة
وأما “خلق جو من الحيرة” فثالث محور لعلم التجهيل، وفي هذا المحور يتم عمل فوضى من المعلومات المتضاربة، التي تجعل من اتخاذ القرار المناسب أمرا في غاية الصعوبة، فيدخل الفرد في حيرة من أمره حتى لا يدري ما يجري حوله، ويزيد تصاعد مستوى الصعوبة عليه، فيضطر لقبول ما لا يصح أن يقبله، طلبا للخروج من هذه الحيرة، وهنا تكمن الوقيعة.
ونظرا لكوننا نعيش عصرا تكنولوجيا تم الهجوم عليه بسلاح التجهيل، وأصبح الجهل والتضليل ممارسة مستمرة على المجتمعات والشعوب من قبل جهات مغرضة، فتحتم واجب الجهاد بالسلاح المضاد لهذه المعركة الخطيرة التي باتت أهم من المعارك النووية.
وأعتقد أن لخوض هذه الحرب المقدسة تأسس “موقع الطارق” على بنيان علمي معرفي ليكون نجما ساطعا وثاقبا في سماء المعرفة، لمحاربة قوى الشر وردع سلاح التجهيل،
وينبغي أن نبذل كل امكانياتنا وطاقاتنا من علم صحيح، ووعي راسخ جنبا إلى جنب مع كل الجهات المعنية للأخذ بأيدي المجتمعات والشعوب لقلعة الحماية من هذه الحرب المدمرة.
حفظ الله مصر وسائر البلدان من قوى الشر النفعية الخبيثة، وجعل تدميرهم في تدبيرهم، وهدانا الله إلى الحق المبين.
الموضوع في غاية الاهمية
وطريقة عرضه ممتازة
دعواتي بالتوفيق
وفي انتظار المزيد.
أسعدني مرورك الراقي وبإذن الله هناك المزيد المستمر إن شاء الله
ونشرف بملاحظاتك وآرائك المفيدة دوما إن شاء الله
شكرا جزيلا على اهتمامك بالتعليق.
يسعدنا دائما تلقى ملاحظاتك، ونرحب بمشاركاتك
خالص تحياتي وتقديري