سليدرمع الآياتنشر حديثاً

العبرة بالعمل الصالح.. “مع الآيات ـ حلقة 43”

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة 43 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآية 62 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:

“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ

عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”

هذه الآية أعُدُّها من أمّهات الأصول في القرآن الكريم، تُوقِف الناسَ على خطرٍ عظيم، تقرر مبدأً مهمًا للغاية،

هو أن العبرة مع الله تعالى ليس بالمسميات ولا بالألقاب ولا بالأجناس، فقط الإيمان بالله والعمل الصالح

هو المعيار الحقيقي الذي يُوزن به الناس أمام الله تعالى.

لا أحدَ يملك مفاتيحَ الجنة إلا الله

جاءت هذه الآيةُ رسالةً قويةً وصارخةً في وجه من يفتأتون على الله، ويوهمون الناس أنهم سدنةُ الجنة، وأنهم

يحكمون بها لمن يرونه لائقا، ويبعدون عنها من ليس كذلك.

إنها الكهنوتية في أقبح صورها، والأنانية العرجاء، أمام هذه النصوص الواضحة التي تقضي بأن الجنة فقط لله تعالى،

وحكمُها فقط لله تعالى، لا أحدَ يملك مفاتيحَها، ولا أحد يدلي فيها بقولٍ أو برأيٍ، ولو حكمنا بالجنة فقط

لفئةٍ بعينها أو لجماعةٍ بعينِها عندئذ لم نفْرِق كثيرا عمّن عاب عليهم القرآن الكريم بقوله: “وقالوا لن يدخل الجنة

إلا من كان هودا أو نصارى” فحذار أن نقع في نفس الفخّ، وأن نحكمَ بالجنّة لأُناس بعينِهم دونَ آخرين

مفتأتين على الله تعالى في مُلكه وشأنه.

إن يوم القيامة بأكمله وما فيه من أحداث وثواب وعقاب ومجازاة حكر على الله تعالى، فلم يدع فيه لقائل قولَة،

فهو سبحانه: “مالك يوم الدين” ولا أحد غيره.

زورقُ النجاة يوم القيامة

وفي هذه الآية الكريمة يقرّر الله تعالى أن الإيمان بالله مضفور بالعمل الصالح، هو زورقُ النجاة يوم القيامة،

فيقول سبحانه: “إن الذين آمنوا” أي: بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر، مع الذين هادوا

أي ماتوا على يهوديتهم السليمة، والنصارى طالما أنهم ماتوا على نصرانيتهم الصحيحة، حتى الصابئين،

الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، هي الإيمان بالله والعمل الصالح.

وبعيدا عن كل هذا ينبغي للعبد أن يشغل نفسه بما هو أهم، يشغل نفسه بأن يرضي الله فقط،

وأن يعمل العمل الصالح الذي يؤهله لدخول الجنة ويجلب له رضا الله تعالى، هذا مع نفعه للكون والمجتمع

الذي يعيش فيه، فهو الغرض الأسمى من خلق الخلق: أن نستعمر الأرض، وأن نكون خلفاءً لله تعالى بحق،

نقيم الحق والعدل، وننفع الناس كل الناس.

الفارق بين أخلاق العباد وصفات الرب جل وعلا

ومن كرم الله تعالى أنه استقل بحسابات يوم القيامة، ولم يسندها لغيره، وإلا لحكم بعضنا على بعض،

ولأقْصَى بعضُنا بعضا، وهذا هو الفارق بين أخلاق العباد وصفات الرب جل وعلا، فيبقى العبد عبدا بأخلاقه

ونظرته القصيرة، وأنانيته، ويبقى الربُّ ربًّا كريما رحيما بمن خلق، يسدي لهم الخير والمعروف، فهم ضيوفُه

وعبيدُه، بثّ فيهم من روحِه.

الأمر كلُّه لله

أتُرى يعذب اللهُ مخلوقَه المدلل، وهو يرى أن فيه خيرا، الأمر كلُّه لله، وفي النهاية يحكم الله لمن رضي عنه

وأدخله الجنة بعدم الخوف وذهاب الحزن، فلا يخافون من مستقبلهم في الجنة فهو في ضمان الله،

ولا يحزنون على ما تركوه في الدنيا من ملذات فقد عوّضهم الله تعالى بخير منه.

نسأل الله رضاه والجنة وما قرب إليها من قول أو عمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى