العناد يورث الكفر.. “مع الآيات ـ حلقة 40″
حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

فى الحلقة 40 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآيتين 58 و59 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:
“وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ”.
جملة تتردد على مسامعنا ولا نكاد نفهمها، إنه العناد من أجل العناد، العناد بلا حجة أو دليل، تماما كالمخالفة من أجل المخالفة،
وهذا ما فعله بنو إسرائيل مع نبي الله موسى عليه السلام، يأتيهم بالأوامر الإلهية فيتفننون في التفلّت منها والكر عليها،
ودافعهم في فعلهم القبيح هذا مجرد الخلاف، والعجيب أنه قد يكون حكم الله لهم أو عليهم أخف
مما اختاروه هم لأنفسهم، فيشددون على أنفسهم، يأمرهم ربهم تعالى أن يدخلوا الباب سجدا، وهي هيئة
تتناسب مع حالة باب الدخول،
فقد كان الباب قصيرا جدا فقال لهم الله ادخلوا الباب على هيئة السجود، وقولوا “حطة” أي حطّ عنا يا ربنا خطايانا،
ووعدهم الله تعالى حالة الالتزام أن يزيدهم من فضله” وسنزيد المحسنين”.
ماذا كان المتوقع منهم؟
المتوقع أن يستجيبوا لأوامر الله، خاصة وأن الأمر غير مكلف ولا يحتاج إلى عظيم مؤنة أو كلفة
في القول أو الفعل، لكنه العناد الذي يورث الكفر ويسلم إليه من أوسع أبوابه.
ترى: ما مدى استجابتهم لأمر الله؟.. لقد عصوا وعاندوا دون حجة، فبدلا من الدخول سجدا دخلوا زاحفين على أدبارهم –
وهي هيئة دنية – أراد الله لهم العزة، فاختاروا لأنفسهم الذل والمهانة والصغار.
المخالف دائما حجته فقط العناد وحب المخالفة والظهور
أمرهم الله ان يقولوا: “حطة”، فلم يأتمروا بأمر الله بل قالوا كلمة تزيد في حروفها عن الكلة التي أمروا بها، قالوا :
“حنطة” وهي كلمة لا معنى لها في هذا المقام، فهي تعني حبة البر “القمح”، فما علاقة هذه الكلمة بحالتهم ساعة
الدخول؟، لكن المخالف دائما حجته فقط العناد وحب المخالفة والظهور بصورة المفتئت على الله مهما كان الأمر أو النهي.
هنا سماهم القرآن الكريم بالـ “ظلمة” وهذه حقيقة أمرهم أنهم ظلموا أنفسهم ولم يتجاوزهم الظلم لغيرهم،
فعاد عليهم بالوبال والعقاب من لله تعالى.
وكانت يد السماء أبطش، وخطوتها أسرع، فأجابتهم على الفور بالرجز، والرجز في لغة العرب:
هو العذاب سواء أكان بالأمراض المختلفة أو بغيرها.
وإتيان الرجز من جهة السماء إشعار بأنه عذاب لا يمكن دفعه، وأنه لم يكن له سبب أرضى من عدوى أو نحوها، بل رمتهم به الملائكة من جهة السماء. فأصيب به الذين ظلموا دون غيرهم، ولم يقل القرآن «فأنزلنا عليهم»، بالإضمار، وإنما قال فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا بالإظهار، تأكيدا لوصفهم بأقبح النعوت وهو الظلم، وإشعارا بأن ما نزل عليهم كان سببه بغيهم وظلمهم.
وقد تضمنت الآيتان الكريمتان أن بنى إسرائيل تمكّنوا من النعمة فنفروا منها، وفتح الله لهم أبواب الخير فأبوا دخولها، وأرشدهم إلى القول الذي يكفّر سيئاتهم فخالفوا ما أرشدهم إليه مخالفة لا تقبل التأويل، فكانت نتيجة جحودهم ومخالفتهم لأمر الله حرمانهم من تلك النعمة إلى حين، ومعاقبتهم لظلمهم بالعذاب الأليم.