مهندس محمد الفيشاوى يكتب: الفكر والعمل فى عالمنا العربى

ظل الفكر الإنسانى، والفلسفة زمنا طويلا يهتمان بجانبين لا يقل كلاهما أهمية عن الآخر وهما:
الحكمة النظرية التى ظهرت فى بلاد الإغريق حيث كان العلم والفلسفة غاية العلماء والفلاسفة العظام، الذين درسوا وتعلموا وعلموا الدنيا أصول التفكير الفلسفى عشقا للعلم والفلسفة وتلذذا بهما.
وقد كانت هذه غاية فى حد ذاتها، تدعو إلى الفكر والخيال والتأمل والمرونة وقبول الآخر بردوده العلمية وفلسفته المنطقية.
وتبارى العلماء والفلاسفة ليقدموا للعالم الكثير من النظريات العلمية فى شتى المجالات.
القدرة على التعايش والسيطرة على المادة وقوى الطبيعة
وعلى الجانب الآخر كانت الحكمة العملية التى ظهرت فى بلاد الشرق، والتى قدمت الحلول للمسائل والمشاكل اليومية للتحايل على مشاكل الحياة اليومية، والقدرة على التعايش والسيطرة على المادة وقوى الطبيعة.
وأزعم أن كان للفتوحات الإسلامية شرف تقليب فلسفات العالم ونظرياته العلمية والعملية.
وخصوصا إثر اهتمام المسلمين وخلفائهم وأمرائهم بالترجمة، ونقل العلوم من خلال معابرها العديدة.
وحدثت النهضة العلمية الإسلامية الكبيرة التى ملأت العالم فى العصور الوسطى، وأوروبا كانت تغط فى نوم عميق.
وإزدهرت الحضارة الإسلامية وانتقلت علومها إلى كل أرجاء العالم بما فيها أوروبا، وجاءت الحروب الصليبية والاستعمار الأوروبى؛ فتتوقف الحياة العلمية ويحل الجهل والفقر والمرض ببلادنا العربية والإسلامية.
ازدهار الفلسفة وتتنوعها بين الجدلية والمنطقة والتحليلية والبرجماتية
ويمر الزمان وتزدهر الفلسفة وتتنوع بين الجدلية والمنطقة والتحليلية والبرجماتية، ثم الفلسفة العصرية التى مزجت الفكر والعلم بالعمل والإنتاج، وتتطور العصور من البخار والآلة إلى عصر التكنولوجيا إلى عصر المعلومات والمعرفة، فتتطور الصناعة الكمية وتحدث الوفرة الكبيرة فى الإنتاج.
ويظل عالمنا العربى يعيش فى عالمين منفصلين إلى حد كبير:
-عالم المتكلمين أو رواد الفكر العربى، الذين جعلوه حياتهم وجل اهتمامهم بتدريس هذا الفكر فى الجامعات،
أو تحريره فى الكتب والمجلات فى المجالات الأدبية، وربما فى المجالات العلمية والتطبيقية.
– وعالم آخر هو عالم الصناعة والزراعة وشتى المجالات العملية، فلا عليهم إلا استيراد التكنولوجيا الغربية والأجنبية والتدريب على تطبيقها لتشغيل آلات أجنبية بخامات أجنبية، وتدريب أجنبى على يد خبراء أجانب.
ليس لأى فكرة قيمة مادامت لن تؤدى إلى تغيير فى سلوكنا
فهذه هى فلسفتنا، وهذه هى أوضاعنا التى لا تخفى على أحد.
وإننى ربما لا أضيف جديدا عندما أدعو عالمنا العربى من خلال مفكريه وحكمائه وعلمائه إلى بذل الجهد الأكبر لإدراك واقعنا بلفتة واعية إلى أحوالنا التى تتطلب الآتى:
– دمج التفكير بالعمل؛ فليس لأى فكرة قيمة مادامت لن تؤدى إلى تغيير فى سلوكنا
وحتى تتكون لدى العربى عادات إيجابية ترسم ملامح شخصية لإنسان عصرى يربط العلم بالعمل.
دمج عالم الكلام بعالم العمل
– إن مبادئ العربى الشامخ من الشجاعة والصدق والأمانة والكرم والإيثار لن تكون ذات معنى إلا إذا حكمت تلك المبادئمجموعة القيم لديه.
ولينهض باذلا ما يجب عليه ليرفع من شأنه وأمته العربية محاولين اللحاق بركب التقدم.
– دمج عالم الكلام بعالم العمل، من خلال الاهتمام وإبراز أهمية التخطيط – فهو المميز لعالمنا المعاصر – لدمجه بالتطبيق. ولابد أن يكون التفكير خطة لعمل نقوم به، وإلا ما كان للفكر أو الكلام معنى أو أهمية.
فالتخطيط هو انعكاس لفلسفة العصر الحديث الذى يجب أن نضعه فى كل أنشطتنا العلمية والصناعية والزراعية والصحية والسياسية والفنية وحتى المنزلية، بشرط أن يعقبه إجراءات وجداول زمنية للتنفيذ.
انعكاسات لمفاهيم إيمانية راسخة فى القرآن الكريم
– وإن ربط الكلام بالعمل، وربط التخطيط بالتطبيق، وربط النظريات العلمية بالوسائل التطبيقية – كلها انعكاسات لمفاهيم إيمانية راسخة فى القرآن الكريم.
فما كانت هناك دعوة للإيمان والحث عليه إلا وقد اقترنت بعمل الصالحات، فالإيمان ناقص بدون عمل، والعمل ناقص بدون إيمان، وهكذا فإن الكلام بدون عمل هو عبث ولهو وهراء.
ولقد تأخرنا كثيرا، وأعتقد أنه قد آن الأوان لننطلق جميعا مع قيادتنا السياسية الحكيمة
والعملية، لنعبر معا فترات التخلف والتراخى لنصل إلى ما يجب أن نكون عنده الآن.
وإن أحلامنا ليست أكبر من قدراتنا على تجاوز أزمتنا، بالعلم والعمل، بالتخطيط والتطبيق،
بعزيمتنا وإرادتنا وقدراتنا التى آن لها أن تنطلق.
مهندس محمد الفيشاوى
خبير التنمية البشرية
دراسات عليا من المعهد العالى للدراسات الاسلامية
جزاكم الله خيرا على هذا المقال الرائع