دور وطنى للكنيسة المصرية عقب ثورة 30 يونيو
مواقف البابا عقب الثورة أبطلت مؤامرات ضرب الوحدة الوطنية وأفشلت خطط المتآمرين
البابا تواضروس الثانى:
«وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»
مواقف البابا عقب الثورة أبطلت مؤامرات
ضرب الوحدة الوطنية وأفشلت خطط المتآمرين
الكنيسة المصرية والأقباط المصريين كان لهم دور وطنى لا يختلف عليه اثنان، عقب ثورة 30 يونيو، حيث كان البابا تواضروس الثانى،
بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أحد أركان صورة يوم الثالث من يوليو عام 2013 مشاركاً فى عزل الرئيس الإخوانى
محمد مرسى،
ورسم خارطة طريق الثورة مع باقى مؤسسات الدولة وممثلى المجتمع، وهما المشاركة والدعم اللذان دفعت الكنائس
والأقباط ثمنهما بعد ذلك بحرق وتدمير العشرات من الكنائس
فى مختلف محافظات الجمهورية عقب فض اعتصامَى «رابعة العدوية» و«نهضة مصر» لتنظيم الإخوان الإرهابى وأنصاره فى
الرابع عشر من أغسطس 2013.
وحينما وصلت البابا تواضروس الثانى أنباء الاعتداءات على الكنائس أثناء فترة خلوته بدير مارمينا بكينج مريوط فى الإسكندرية،
تجاوز ألمه وأطلق مقولته الشهيرة «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، مشيراً إلى أن حرق تلك الكنائس هو تضحية
بسيطة يقدمها الأقباط عن طيب خاطر من أجل حرية الوطن.
كنائس المهجر سفارات شعبية لمصر فى الخارج
الدور الوطنى للبابا، لم يتوقف عند إطلاق الشعارات البراقة، بل تخطاها لمطالبة كل كنائس المهجر لتكون سفارات شعبية
لمصر فى الخارج تُعرّف الغرب بما يحدث فى مصر،
وتكشف عن زيف الادعاء بأن ثورة 30 يونيو كانت انقلاباً وليست ثورة شعبية ضد حكم الدين، وتجاوز البابا عن هدم الكنائس
وتربص الإخوان بالأقباط وتنكيلهم بهم فى بعض محافظات الجمهورية،
ورفض أن يطلب شيئاً من وفود الخارج التى توالت فى زيارات متعاقبة على المقر البابوى فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية،
رفض البابا مقابلة العديد من تلك الوفود فى ذلك الحين،
ودفع بالأنبا موسى، أسقف الشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لمقابلتهم، وهو الذى لم يختلف عن البابا وطنية، فأخذ
يوضح حقيقة الأحداث فى مصر وما يتعرض له الأقباط، رافضاً أن يقدم مطلباً طائفياً،
وطالب تلك الوفود بأن تعمل على تصحيح صورة مصر فى بلدانها، مبشراً بمصر ومستقبلها فى ظل ثورتها التى حماها الجيش
من يد من اختطفها من التيارات الظلامية والإرهابية.
دور وطنى فى الداخل والخارج
دور البابا الوطنى لم يقتصر على الداخل فقط، بل صار سفيراً فوق العادة لمصر فى الخارج، وأخذ بالدعوة إلى زيارتها والتبشير
بمستقبلها، والتحدث عن مشاريعها القومية التى يطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، مزيلاً ما التبس فى عقول الغرب عما
يتعرض له الأقباط من بعض المضايقات من الجماعات الإرهابية،
حيث أكد أن التاريخ المصرى يكشف أن المصريين عاشوا جنباً إلى جنب مسلمين ومسيحيين منذ القرن السابع للميلاد فى
سلام ووئام على مدار 1400 عام، وأن مصر الدولة الوحيدة التى زارتها العائلة المقدسة ومكثت فيها ثلاث سنوات ونصف
السنة، وهى تُعتبر أرضاً مقدسة ولها نعمة خاصة، ولذلك فهى فى يد الله وقلبه، وأن مصر لم تعرف التيار المتشدد والغريب
على الشعب المصرى إلا من 40 سنة.
علاقات البابا الوطنية وثّقها عبر علاقة صداقة مع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، عبر ما يُعرف ببيت العائلة المصرية، وهى
العلاقة التى تعكس رسالة طيبة للناس، وأن الغرب لا يتفهم طبيعة مصر وتاريخها، مشيراً إلى أن مصر دولة مهمه لكل العالم.
لم يتوقف البابا عن مطالبة كل دول العالم التى زارها، فى أفريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيا، بمساندة مصر التى اعتبرها النقطة
الرئيسية للتوازن فى الشرق الأوسط، وأنها المنطلق للحفاظ على السلام فى المجتمعات فى الشرق وعلى الوجود
المسيحى فى المشرق، مطالباً أيضاً بمساعدة مصر فى بناء المدارس والتعليم والاقتصاد والسياحة، لأن قوة مصر هى قوة
للشرق الأوسط وصمام أمانه.
إطفاء نيران الطائفية
كثير من النيران الطائفية حاولت أن تشتعل فى ثوب الوطن، فقام البابا تواضروس بإطفائها بتصريحاته الوطنية ووعيه لما يتعرض
له الوطن من مؤامرات فى الداخل والخارج، وقف ضد إثارة الاعتداءات الطائفية التى وقعت فى المنيا،
وأشهرها على سيدة «الكرم» العجوز فى المحافل الخارجية، ورفض تنظيم المظاهرات المناهضة لنظام حكم الرئيس
عبدالفتاح السيسى أمام البيت الأبيض أو مقر الأمم المتحدة خلال زيارات الرئيس السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة،
كما تصدى لمحاولات البعض لإفساد العلاقة بين الكنيسة والرئاسة أثناء مناقشة قانون بناء وترميم الكنائس.
مدّ البابا والكنيسة يدهما عبر دورها الاجتماعى بمساعدة الدولة فى قضية سد النهضة مع إثيوبيا عبر توطيد العلاقات مع
الكنيسة الإثيوبية،
وهو ما تم ترجمته فى الزيارات المتبادلة بين رأسَى الكنيستين المصرية والإثيوبية، البابا تواضروس الثانى والأب متياس الأول،
وقيام الكنيسة بفتح مستشفى قبطى فى أديس أبابا وإيفاد طواقم طبية لعلاج الإثيوبيين، فضلاً عن تعيين مسئول رسمى
بالكنيسة عن العلاقات مع إثيوبيا وهو الأنبا بيمن، أسقف نقادة وقوص.
كما لم تبخل الكنيسة بأموالها على الدولة، وتبرعت خلال زيارة البابا إلى مشروع قناة السويس الجديدة فى 2015 بمليون
جنيه للمشروع، وكذلك تبرعت الكنيسة بقطعة أرض ومليون جنيه خلال زيارة البابا تواضروس إلى محافظة مطروح لبناء
مستشفى المحبة لخدمة أبناء المحافظة،
فضلاً عن إرسال قوافل طبية وإغاثية إلى مناطق الصعيد المتضررة فى كارثة السيول الأخيرة، وخاصة مدينة رأس غارب بالبحر
الأحمر، ومحافظة سوهاج.
التشجيع على دعم السياحة المصرية بعد حادث الطائرة الروسية
كما أطلقت الكنيسة دعوة لأقباط المهجر وأقباط الداخل للتشجيع على دعم السياحة المصرية بعد حادث سقوط الطائرة
الروسية فوق سيناء، وكذلك أطلقت حملة أخرى لتشجيع الأقباط فى الخارج على شراء الشهادات الدولارية التى أطلقتها
الحكومة فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تشهدها مصر مؤخراً.
وعندما وقع حادث الكنيسة البطرسية الإرهابى فى العباسية، والذى راح ضحيته 26 شهيداً أغلبهم من النساء والفتيات
القبطيات، وهو الحادث الذى دفع البابا تواضروس الثانى، الذى كان موجوداً فى زيارة رعوية إلى اليونان لقطع زيارته،
والعودة للقاهرة، لترؤس الجنازة واستقبال وفود المعزين، لم يخرج من لسانه أى اتهام للدولة بالتقصير وإنما جاءت كلماته
لترسل رسائل للعالم كله بما يتعرض له المصريون من اعتداءات عبر جماعات الإرهاب المدعومة من الخارج،
والتى لا تفرق بين دماء القبطى والمسلم، وأن هذا الحادث ليس مقصوداً به الكنيسة وإنما الوطن كله الذى التف حول
الكنيسة والمصابين وأسر الشهداء، لأن المصاب ليس قبطياً ولكنه وطنى بامتياز.
رفض التدخل الأمريكى فى الشأن المصرى
كما ظهرت المواقف الوطنية للكنائس المصرية مجتمعة بقيادة الكنيسة الأرثوذكسية فى الأيام الأخيرة،
حينما أعلنت رفضها التدخل الأمريكى فى الشأن المصرى ومشروع القانون المقترح فى الكونجرس الأمريكى الخاص بترميم
وبناء الكنائس التى دمّرها الإخوان وأنصارهم فى 2013، لتعلن الكنيسة أن «الوحدة الوطنية فوق كل اعتبار، ولا تقبل الكنيسة
المساس بها إطلاقاً».
إن الكنيسة المصرية مؤسسة عريقة على مر التاريخ المصرى المعاصر، وعانت الكثير من الاضطهاد والتمييز، وعانى شعبها
الكثير من إهدار الأرواح والدماء لمحاولة زعزعة استقرارها ووطنيتها وثبات وإخلاص شعبها،
فى التاريخ الحديث منع البابا كيرلس السادس، البطريرك 119 فى تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوكسية، زيارة القدس فى
أعقاب نكسة 1967، وكان له علاقات وطيدة وتاريخية مع الرئيس جمال عبدالناصر، ثم جاء البابا شنودة الثالث، البطريرك 117
فى تاريخ بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ليؤكد على وطنية الكنيسة ورفض أى توجهات لبعض أقباط المهجر الممولين
بإعلان اضطهاد المسيحيين فى مصر فى أعقاب أحداث الزاوية الحمراء والكشح وغيرها.
وعندما جاء البابا تواضروس الثانى، البطريرك 118 فى تاريخ بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فى ظل ظروف حالكة
وحرجة وقت حكم الإخوان، رفض أى مساومات من الإخوان، ووقت ثورة 30 يونيو 2013 وحرق أكثر من ٧٥ كنيسة فى مختلف
محافظات الجمهورية،
ورفض توجهات السفيرة الأمريكية بالقاهرة فى ذلك الوقت بإعلان اضطهاد الأقباط، وقال مقولته الشهيرة «وطن بلا كنائس
أفضل من كنائس بلا وطن».
فى ظل الأحداث المتتالية التى شهدها صعيد مصر، لإشعال نار الفتنة من مجموعات خائنة، حوّل البابا عظته الأسبوعية إلى
اجتماع صلاة للوطن وسلامته،
حادث الكنيسة البطرسية فى العباسية
كما أنه بعد حادث الكنيسة البطرسية فى العباسية لم يعتكف البابا فى الدير كما كان يفعل سلفه، بل قاد الصلاة على
الشهداء واحترم القيادة السياسية التى كان لها دور عظيم فى احتواء الأزمة، لتظل الكنيسة المصرية، مؤسسة وشعباً، رمز
الوطنية والوفاء والحب لمصر.