
أستاذ الدراسات العليا
بجامعة الأزهر الشريف
فى الحلقة 53 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآية 82 من سورة البقرة، يقول الله تعالى: “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”
هذه الآية الكريمة بشارة لمن آمن بالله تعالى حق الإيمان، واقترن إيمانه بعمل الصالحات، فإن الله لا يقبل الإيمان دون عمل،
وإلا فهو إيمان ناقص، وإن الذين يُغررون بالناس ويوهمونهم بأن القضية قضية إيمان قلبي فقط،
وما العمل إلا أمر ثانوي، فهم قوم خبثاء، يريدون أن يفتنوا الناس في دينهم ودنياهم، إذ لم يقل أحد
بأن مجرد الإيمان القلبي كاف في نجاة العبد يوم القيامة.
الإيمان والعمل الصالح قرناء لا ينفك أحدهما عن الآخر، وإلا كان خللا في العلاقة مع الله، فلو افترضنا رجلا يؤمن بقلبه،
لكنه لا يعبأ بسلوكه ولا بعمله، فهو -ولا شك- إيمان زائف، لم يفد هو منه ولم يفد غيره منه.
وكذلك لو افترضنا رجلا يعمل الصالحات ولكن على غير نيّة الإيمان، فهو على خطر عظيم ألا يقبل الله منه عملَه
وإن صلُح، كمن بنى قصرا من غير أساس على سطح الأرض دون أساس قويم، فهذا عند أول نكبة نرى البنيان يتلاشى،
ويهدم ويخر البنيان على أركانه، ولا يكون له بقاء، لأنه خلى من الأساس القوي المتين.
من عبد الله دون إيمان كان عرضة لضياع عمله
والأمر مع الله تعالى لا يختلف كثيرا عما قلناه – ولله المثل الأعلى – فمن عبد الله دون إيمان كان عرضة لضياع عمله
في أول محنة، لكن الإيمان يثبّت العملَ ويجعلُه راسخا قويا، صامدا أمام الأحداث ونوائب العصر والدهر، كما هو عصمة له
من الرياء الذي يمحق العمل ويأتي على آخره.
حافظوا على أعمالكم الصالحة بقوة إيمانكم فإنه لكم درع واقي. فما أحوجنا – نحن المسلمين – أن نستيقن هذه الحقيقة:
أن الإيمان لا يكون حتى ينبثق منه العمل الصالح.
وأن العمل الصالح لابد أن يسبقَه إيمانٌ بمن سيحاسبُنا عليه يوم القيامة، وإلا فليس لك أن تطالبَ اللهَ يومَ القيامة
بثوابِ عملِك.
نعيم الله لأهل الجنة نعيم لا ينقطع
والصحبة هنا صحبة مجازية بين الجنة وأهلها، فالحبُّ بينهم متبادلٌ، فتتفنن الجنة في إمتاع أصحابها، ويتلذذ أصحابها بالمكوث فيها.
ثم يزيد الله تعالى من إكرامهم فيبشرهم بالخلود فيها، لئلا تفسد فرحتُهم بالجنة ونعيمِها، لأن النعيم الزائل نعيمٌ منغص،
لكنّ نعيم الله لأهل الجنة يوم القيامة إذا دخولها، نعيم لا ينقطع، فتهدأ نفوسهم، وتطمئن قلوبهم، وتسكن جوراحهم.
وهذا هو الفارق بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، نعيم الدنيا زائل لا محالة، إما أن يزول عنك وإما أن تزول أنت عنه، أما نعيم الجنة فهو دائم ما دامت السماوات والأرض عطاء غير مجذوذ.
نسأل الله الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وجمعنا وإياكم في الفردوس الأعلى من الجنة.