مع الآيات

النفاق .. وأهله “مع الأيات ـ حلقة 11″

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

“النفاق وأهله” هو موضوع الحلقة 11 من سلسلة حلقاتنا “مع الأيات”،

ونعيش فى هذه الحلقة مع ثلاث آيات من سورة البقرة، يقول الله تعالى:

“وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ

آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا

وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)”

النفاق من أخطر الأمراض التي تصيب الأمم والشعوب، إذا فشى في أمّة فقل: عليها

السلام، لأن النفاق لا يقوّم معوجا، ولا يُصلح فاسدا، بل يزيد الفاسدَ في فساده،

ويعين الظالمَ على ظلمه.

ولخطورته فضحَه الإسلامُ، وشنّ عليه حربًا شعواء، وقبّح صورته في أعين الناس،

ولعل هذا ما يفسّر لنا أن صدر سورة البقرة تحدثت عن المؤمنين في خمس آيات،

ثم تناولت الحديث عن الكافرين في آيتين فقط، ثم تناولت الحديث عن المنافقين في ثلاث عشرة آية متتالية،

وما ذلك إلا لخطورته.

الأمر الذي جعل أبا بكر الصديق يتّهم نفسه بالنفاق في قصّة حنظلة وقال له :

“إذا كان ذلك كذلك يا حنظلة فكلنا منافق”، وذلك لما شكى له حنظلة أنه إذا كان بين يدي رسول الله جلس وكأن على رأسه

الطير، فإذا ذهب إلى بيته عافس أهله وأولاده.

والأمر ذاته جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخشى على نفسه النفاق،

ويسأل حذيفة بن اليمان – كاتم سر النبي صلى الله عليه وسلم-: أستحلفك بالله يا حذيفة:

هل أنا من المنافقين الذين سماهم لك رسول الله؟.

خطورة النفاق على الفرد والمجتمع والأمم

 

وبهذا يتضح لنا خطورة النفاق على الفرد والمجتمع والأمم، بل على الدين،

والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يدخر جهدا في توضيح علامات المنافق والنفاق، حتى يحذرَهم الناس.

والحقيقة التي كشفها القرآن الكريم: أنهم حالة نفاقهم لا يخدعون إلا أنفسهم، لأن الله تعالى لا تخفى عليه خافية،

وهو أجلّ من أن يخدعه أحد من خلقه، ويعاملهم الله تعالى بنفس ثقافتهم فيظهر لهم النعم في الدنيا،

ويبطن لهم العذاب يوم القيامة، وإنما سَمى اللهُ تعالى الردَّ على نفاقهم بالمخادعة منه تعالى – مع أنها حيلة الضعيف – من باب المشاكلة،

والذي يلفت النظر في الآيتين الأوليين أن الله يتعقب المنافقين فيفضحهم،

ولا ينتظر إلى يوم القيامة، فهي سنةُ الله مع النفاق والمنافقين أن يفضحَهم الله تعالى قبل موتهم،

ويهتك سترهم، ويكشف زيفهم، حتى لا يختلّ ميزانُ الكونِ الذي أقرّه الله تعالى وبنى عليه الكونَ كلّه.

وهي رسالة لكل منافق: احذر فإن الله فاضحك، وإن الله كاشف سترك، فضع الأمور في نصابها،

وتخلّص من أمارات النفاق إن وجدتها في نفسك.

ومن أخطر الصفات التي وصف الله بها المنافقين، أن في قلوبهم مرض،

والقلب كغيره من الأعضاء يصيبه المرض والعطب فلا يمارس دوره الذي أنيط به.

ولما كان وظيفة القلب التعرف على الله تعالى والتقرب إليه، فإن قلب المنافق أصابه عطب،

فأصبح غير قادر على ممارسة دوره في التعرف على الله تعالى.

إذا تمكّن المرض فأنى له الشفاء؟

والخطورة تكمن في أن يتسلل المرض لداخل القلب حتى يمتلك زمامه ويتمكّن، وإذا تمكّن فأنى له الشفاء؟

فحاول أيها القارئ الكريم أن تجلو القلب دوما بالطاعات حتى لا تتراكم عليه المعاصي،

فيدخل في مرحلة الران وبعدها إلى مرحلة المرض.

إن ذكرَ اللهِ تعالى والمداومةَ على فعل الطاعات تشْحذُ القلبَ وتجلوه مما قد يصيبُه من فعل الشهوات والمُكدّرات.

وإذا تمكّن المرض من القلب بكثرة فعل المعاصي، أخذ الله قرارًا بزيادة المرض،

فإياك ثم إياك أن يُتّخَذَ فيك هذا القرارُ الإلهي بزيادة المرض، لأن العاقبة وخيمة،

فأولئك لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون، وبسبب كذبهم على الله وعلى الناس وعلى أنفسهم،

استحقوا هذا الجزاء المفزع.

أتُرى يغلق الله قلبا اعتاد على ذكره، أتُرى يعذب الله قلبا عَمُر بالإيمان به تعالى، أتُرى يبعد الله قلبا تعلق بمحبته. ،

نسأل الله أن يخلّص قلوبنا له، وأن يصطفيها لمحبته، وأن يحفظنا من النفاق ويقينا شر أهله.

أ. د. عبد الشافي الشيخ
أستاذ الدراسات العليا فى التفسير وعلوم القرآن
جامعة الأزهر الشريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى