
فى الحلقة 50 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآيتين 76 و77 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:
“وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ”.
في هاتين الآيتين الكريمتين يحكي القرآن الكريم صورة فاضحة من صور من ينافق
الله تعالى، وينافق المؤمنين، فإذا لقوا الّذين آمنوا ألانوا لهم الكلام، وأخفضوا لهم
جناح الذل “المودة”، وإذا خلوا إلى شياطينهم من الإنس أو الجن، كشفوا لهم حقيقة أمرهم وأنهم منافقون وحسب،
بل أوصى بعضهم بعضا كيف ينافقون، محذرين بعضهم البعض من أن يتحدثوا أمام المؤمنين حديثا يؤخذ عليهم.
والآية الأولى تفضح خبث طويتهم، وسوء نيتهم، وكيف أنهم لا يحملون للمؤمنين إلا كل ضغينة وحقد، وأنهم لا يقدسون سوى
مصلحتهم ومنافعهم الشخصية، وهذه هي حال المنافقين في كل زمان ومكان، ولذلك لا عجب من شدة تحذير النبي
– صلى الله عليه وسلم – من أن يدب النفاق في صفوف الدولة المسلمة، لأنه نذير انهيار لها.
الكون له إله واحد يضبط إيقاعه
يؤخذ أيضا من هذه الآية الكريمة، أن الجميع موقن بأن الكون له إله واحد يضبط إيقاعه، لكن المعاندين يتعامون عمدا عن هذه
الحقيقة، لأنهم لا يريدون التزاما، فيعبدون هواهم، وآلهتهم المزعومة التي لا تضمن لهم من قطمير.
والعجيب أن يحكي القرآن عنهم هذا المعتقد في قوله تعالى: “ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله”،
إذن هم يعلمون أن هناك ربا خالقا رازقا مدبرا سيحاسب الناس يوم القيامة على أعمالهم.
والمعنى: وإذا ما تلاقى المنافقون من اليهود مع المؤمنين، قالوا لهم نفاقا وخداعا: صدقنا أن ما أنتم عليه هو الحق،
وأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسول من عند الله، وإذا ما انفرد بعض اليهود ببعض قال الذين لم ينافقوا لإخوانهم الذين
نافقوا معاتبين: أتخبرون المؤمنين بما بينه الله لكم في كتابكم مما يشهد بحقيقة ما هم عليه، لتكون لهم الحجة عليكم
يوم القيامة، أفلا تعقلون أن هذا الحديث يقيم الحجة لهم عليكم؟
فالآية الكريمة فيها بيان لنوع آخر من مساوئ اليهود ومخازيهم التي تدعو إلى اليأس من إيمانهم وتكشف النقاب عما كانوا يضمرونه من تدليس.
لكن الله تعالى يتعقبهم في كل غدرة من غدراتهم فيقول لهم مهددا فى الآية الثانية: “أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ” فيعلم منهم ما تخفيه خائنة الأعين وما تخفيه الصدور، سبحانه لا يعزب عن علمه شيء في السماوات ولا في الأرض، مهما حاولوا إخفاء النصوص التي تبشر بنبوة محمد – صلى الله عليه وسلم -، فإن الله تعالى متم نوره ولو كره المجرمين، والآية تهديد لكل عاص.