جريمة الحسد.. أم المصائب “مع الآيات ـ حلقة 25″
حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

فى الحلقة الخامسة والعشرين من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآية 36 من سورة البقرة..
يقول الله تعالى: “فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ”.
إن غاية ما يريده الشيطان من الإنسان أن يزلّ، ولعل هذا هو جوهر التفريق بين حديث النفس وبين حديث الشيطان،
فالنفس تصرّ على معصية بعينها، بينما الشيطان لا يقف عند معصية واحدة، فيدخل من جميع المداخل
حتى لو من باب الطاعة ذاتها، المهم أن تزلّ قدمك أيها الإنسان، وقد يتعجب البعض كيف أزل في باب الطاعة؟
من تلبيس إبليس
أقول: نعم.
قد يضل الإنسان في الطاعة فيزيد فيها فيكون مبتدعا، أو ينقص منها فيكون مفتئتًا، أو يسيء الفهم لبعض النصوص
فيَضل ويُضل غيرَه، ولذلك كثيرا ما نرى خطب المتطرفين مليئة بالنصوص الدينية من القرآن والسنة فيُلبسون على العوام فهمَ دينِهم،
ويغترُّ البعضُ باستشهادهم بالآيات والأحاديث، ولا يعلم المسكينُ أن النصوصَ سليمةٌ ولا غبار عليها،
إنما السقم في الفهم العليل، وتطويعهم النصوص لما يخدم أغراضهم المتطرفة. فهذا قطعا من تلبيس إبليس.
والشيطان: أصلها من شطن بمعنى بَعُدَ، والشيطان بعيد مطرود من رحمة الله، أو من شاط، بمعنى احترق،
وهو كذلك احترق بُعدًا عن رحمة الله، وسيحترق في نار جهنم كما اتوعَّده الله تعالى في كتابه الكريم.
والملاحَظ هنا أن الشيطان يفعل ما يفعل حقدا وحسدا على بني آدم الذين أطاعوا الله بينما عصاه هو بغروره ومنهجه الشيطاني في التبرير للمعصية سالكا مسلك العقل البحت الذي لا يرى غير نفسه ولا يقنع بما سواه.
جريمة الحسد هي أم الخبائث والمصائب
وما زالت جريمة الحسد هي أم الخبائث والمصائب في دنيا الناس، فأغلب الجرائم وقودُها الحسد والحقد على عباد الله، متهمين عطاء الله تعالى بعدم الحكمة، وحاشا لله.
والهبوط الوارد في الآية إما ان يكون هبوطا حسيا على اعتبار أن الجنة كانت في السماء، وهو وإن كان لا دليل عليه إلا أنه لا حرج على فضل الله سبحانه يفعل ما يشاء ولا يسئل عمل يفعل وهم يسئلون.
وإما أن يكون هبوطا معنويا، وهي والله الطامة الكبرى، أن تتنزل من مقامك عند الله، أن تتبدل الحسابات معك،
ويكون الله قدّر لك مكانةً عظيمة فتفسدها بعملك وتحط أنت من قدرك بعملك، يالها من مصيبة عظيمة
أن يسلبك الله مكانة بسوء عملك.
سنة الله تعالى مع كل من أعطاه الله عطية فلم يحترمها
لكنها سنة الله تعالى مع كل من أعطاه الله عطية فلم يحترمها ولم يعمل بها ولم يؤد شكرها،
فتكون النتيجة أن يسلبها الله منه ولو حكما، ولعلك تذكر معي قوله تعالى:
“لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ”
أعطاهم مكانة ونعمة فأساؤوا استخدامها، فكانت النتيجة أن سلبهم الله نعمه، وصيرهم كالبهائم بل هم أضل.
فمن لم يقنع بعداوة الشيطان فليراجع دينه، إنها العداوة الظاهرة التي فضحه الله تعالى بها، فأعدى أعدائنا هو الشيطان، وبعدها كل شيء هين.
نسأل الله العفو والعافية.
أ. د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
فى التفسير وعلوم القرآن
بجامعة الأزهر الشريف