حقيقة السجود لآدم عليه السلام.. “مع الآيات ـ حلقة 24″
حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

فى الحلقة الرابعة والعشرين من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول آيتين من سورة البقرة:
يقول الله تعالى: “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)”.
قد يفهم البعض خطأ معنى أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، فالبعض يقول بتفضيل الآدميين مطلقا على الملائكة بظاهر الآية،
والبعض يبيح السجود لغير الله بالاستناد الفاسد على ظاهر الآية، والحقيقة التي قد تغيب عن هؤلاء وأمثالهم،
أن السجود في حد ذاته لم يكن لآدم، وإنما كان لتعلق أمر الله به، فسجودنا أمام الكعبة ليس عبادة لذاتها،
إنما هو استجابة لأمر الله، ولذلك لما حاول المشركون تشكيك المسلمين في قضية تحويل القبلة
من المسجد الأقصى لبيت الله الحرام، وقف القرآن موقفا حاسما أوضح فيه أنهم في كلتا الحالتين مطيعين ومنقادين
لأمر الله ولذلك فلن يضيع إيمانكم.
قدر العلم وأهله عند الله
أمر الله الملائكة بالسجود لآدم كرمز للعلم الذي أسْكتهم الله به، وفيه ما لا يخفى من قدر العلم وأهله عند الله:
“قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”.
والمنهج الشيطاني كما أخبرنا إياه ربُنا تعالى لا يتغير ولا يتبدل، هو ذات المنهج في جميع القضايا،
منهج العلو والاستبداد بالرأي، منهج الأنانية والتعالي، منهج الإباء والاستكبار دون وجه حق،
فإن المتكبر غالبا ما يكون فارغ الجعبة، خالي الوعاء، لا يملك إلا الجعجعة والصوت المرتفع والنبرة الحادة،
فإبليس أبى وضم إلى الإباء الاستكبار فأصبح بهما من الكافرين، وكأنّ الله يُعلّم عباده أن العناد والاستكبار
قد يسلمنا إلى طريق لا تحمد عقباه في النهاية، فها هو إبليس يطرد من رحمة الله ويحق عليه القول لأنه
أبى وتكبر على أوامر الله.
جنة الاختبار وليست جنة الحساب
ثم تسير القصة مع آدم وزوجه التي يشعر معها بالسكينة ومن هنا انتدب الله له لفظ “زوج” فالمرأة زوج للرجل يأنس بها،
والرجل زوج للمرأة يحتويها وتشعر من خلاله بالأمان والقوة، وقطعا هي جنة أعدها الله تعالى لهذا الاختبار، وليست جنة الحساب التي أعدها الله للمؤمنين جزاء طاعتهم لله، بدليل أن الله ساعة خلقه لآدم أوضح أنه جاعل في الأرض، ولم يقل في الجنة، فآدم مخلوق للأرض وليس للجنة.
“وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ” وفي هذه الفاصلة نقف على منهج الله مع عباده حتى خارج جنة الاختبار التي دخلها آدم: الله تبارك وتعالى من سننه أنه عندما يحرّم شيئا فهو يحلّ أشياء، وإذا حسبنا ما حرّمه الله بجانب ما أحلّه الله، نقف على مدى رحمة الله بعباده، حيث حرّم عليهم أقل القليل، بينما أباح لهم الكثير والكثير، وقد تحقق هذا في الأطعمة والأشربة والمعاملات وغير ذلك مما تتجلى فيه رحمة الله بعباده، فلله الحمد والمنة على ما شرّع وعلى ما رحم به عباده.
أ. د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
فى التفسير وعلوم القرآن
بجامعة الأزهر الشريف