الكلمة الأخيرةسليدرنشر حديثاً

حكم نهائى تاريخى: الخطبة الموحدة ضرورة تحفظ لمصر والأمة العربية والإسلامية وجودها وتحميها من الفكر المتطرف (2/2)

الخطيب يتمتع بحرية فى طريقة اَداء الخطبة شفاهة ارتجالا أو مكتوبة مقروءة

بما لا يخرج عن مضمون الخطبة الموحدة لإبراز ملكاته ومواهبه لجمهور المصلين

الخطبة لا تكون طويلة مملة أو قصيرة مخلة

ولا تزيد على عشرين دقيقة وتقصيرها علامة على فقه الخطيب

فلا يطيل فينسى الناس بآخر كلامه أوله، وهو هدي النبي في خطبه الراتبة

منظومة ثنائية بين الأزهر الشريف ووزارة الاوقاف

لخدمة الإسلام الوسطى المستنير

كتب ـ إبراهيم نصر :

نستكمل ما بدأناه فى الحلقة السابقة من الكلمة الأخيرة التى قالها القضاء الإدارى بشأن الموافقة على قرار وزير الأوقاف

بتوحيد خطبة الجمعة فى مساجد مصر، حيث أثبتت شهادة من جدول المحكمة الإدارية العليا فى أغسطس 2021 نهائية

د محمد خفاجى
د محمد خفاجى

الحكم التاريخى الذى أصدره القاضى المصرى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة

رئيس محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، الدائرة الأولى بحيرة بتأييد قرار وزير الأوقاف بتنظيم موضوع الخطبة الموحدة

ليوم الجمعة للأئمة والدعاة والخطباء على مستوى المساجد والزوايا بجمهورية مصر العربية، وقد أصبح هذا الحكم نهائياً وباتاً.

التشدد والتطرف والإرهاب نتيجة الانحراف عن مفاهيم الدين

وأوضحت المحكمة أن التحديات المعاصرة كشفت عن أن التشدد والتطرف والإرهاب كان نتيجة الانحراف عن مفاهيم الدين

الصحيح والخلل الذى أصاب مسار الفكرالدينى مما يتعين معه على الدول الإسلامية والعربية ومصر فى قلبها النابض محاربة

الفكر المتطرف لدعاة التشدد والغلو الذين يستخدمون الشباب وقوداً لفكرهم المنحرف، مما يستلزم تصحيح المسار وتطوير

الخطاب الدعوى عن طريق إعداد الدعاة وصقل تكوينهم وتوسيع مداركهم لبيان حقائق الإسلام السمحة ودحض الأباطيل

والحث على مكارم الأخلاق وماجاء به الإسلام من حفظ الضرورات الخمس: “الدين والنفس والعقل والعرض والمال”، ليعيش

المسلم في هذه الدنيا آمنا مطمئناً يعمل لدنياه وآخرته، فنظام الدين لا يقوم إلا بنظام الدنيا وإن لم تراع الضرورات الخمس

فسوف ينعدم الأمن فى المجتمع ويصاب النظام الاجتماعى بالخلل والانهيار الأمر الذى يستلزم مواكبة روح العصر من تقنيات

وسائل الاتصال لتصل إلى عقل وقلب المتلقى وتوظيفها فى خدمة الدعوة بالوسائل الصحيحة ومناهجها للتذكير بالخير

وما يرقرق القلب بتلطف دون مخاشنة أو تعنيف.

بعض خطباء الجمعة استخدموا المنابر لتحقيق أهداف سياسية

وذكرت المحكمة أن الواقع المصرى كشف عقب ثورتى الشعب فى 25 يناير 2011 و 30 يونيه 2013 أن بعض خطباء الجمعة

استخدموا المنابر لتحقيق أهداف سياسية متخذين من الدين ستارا لهم بعيدا عن واقع المجتمع وحولوا موضوع خطبة الجمعة

إلى تحقيق أغراض حزبية وسياسية وأخرى تحريضية وشق الصف عبر المنابر، بما يخدع البسطاء على الرغم من قدسية

المسجد وأن الجمعة شرعت لتكون جرعات إيمانية أسبوعية تعالج قضايا وهموم المجتمع وتعطي للمسلم طوق النجاة من

الوقوع في المعاصي والآثام فأصبح توحيد موضوع الخطبة ضرورة لمواجهة المخاطر التى تواجه مصر والأمة الإسلامية والعربية،

كما يرسخ قيم المواطنة، فالمسجد ذكرا لله بالوعظ والإرشاد ولتقريب العبد إلى ربه وليس مصدراً للتحزب والاختلاف الفكري

والمذهبى، وليس من حق الخطيب وهو المؤتمن أن يوجه الناس على ما يشتهي أو يرغب، ويملي عليهم قناعاته الشخصية

فى المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فتشتد الخطورة من فوق منابر الجمعة بما يوهم عامة الناس أن هذا هو

الحق المبين، مما يؤدى الى الاحتقان الشعبي فى البلدان الاسلامية والعربية، لذا فإن توحيد موضوع الخطبة يؤدى إلى

توحيد المجتمع المصرى والعربى والإسلامى تجاه الأزمات التى تهدد استقراره تحقيقاً للمصالح المعتبرة لمواجهة الفكر

الإرهابى المنحرف عن صحيح الدين.

هاجس عدوى الإرهاب والتشدد لم يعد مقصورا على العالم العربى والإسلامى

واستطردت المحكمة: إن الأزمة المصيرية لشعوب العالم الإسلامى والعربى على قمتها دعاة التشدد بإسم الدين وقتلة

الإنسانية والجماعات المتطرفة التى تستبيح الدماء والأموال لتفسد فى الأرض، وأن هاجس عدوى الإرهاب والتشدد لم يعد

مقصورا على العالم العربى والإسلامى بل انتقل إلى العالم الغربى حتى المتقدم منها، ذلك أن الارهاب لا دين له ولا وطن،

مما يكون معه للنشاط الدعوى المصرى مع مثيلاته بالبلاد العربية والإسلامية أبلغ الأثر إزاء المواجهة الفكرية لما يحدث من

إرهاب نتيجة استقطاب الجهلاء بأحكام الدين، وإذ كانت مصر قد استوت على قمة العالمين العربى والإسلامى، ليس فقط

بكثافة سكانها وموقعها المتميز، وإنما بحضارة تليدة وموروث ثقافى جعل منها فى ثورات العرب وحروبهم وبانتصاراتهم الدولة

القائدة، وفى ميدان السلام والتعاون الدولة الرائدة، فإن تعبير شعبها المعطاء – وقضاؤها جزء من هذا الشعب – عن مكنونه

فى مسألة مصيرية تتعلق بالمخاطر والإرهاب الذى يحاك للأمة العربية والإسلامية بات أمرا لازماً ليتشارك مع الموقف

الرسمى للدولة فى نبذ كل عدوان أو تهديد به، ينال مصر أو أحد الشعوب العربية والإسلامية، ومصر بذلك تؤرخ لدور عالمى

وليس إقليميا لأنها تواجه بقوة وثبات وتضحية دعاة الإرهاب والتطرف لحماية الانسانية جمعاء.

فمن شاء ألقاها شفاهة وارتجالا ومن شاء ألقاها مكتوبة مقروءة

وأضافت المحكمة: إن طريقة أداء الخطبة شفاهة وارتجالا أو مكتوبة مقروءة أمراً اختيارياً للخطيب فى ضوء ما يمكنه من أداء

رسالته وبما لا يخرج عن مضمون موضوع الخطبة المحدد، فيترك لكل خطيب قدرا من إبراز ملكاته ومواهبه فى إيصال موضوع

الخطبة الموحدة لجمهور المصلين بالأداء الذى يمكنه من الوصول إلى عقولهم وقلوبهم، فطريقة أدائها ليست إلزامية على

وجه معين، فمن شاء ألقاها شفاهة وارتجالا ومن شاء ألقاها مكتوبة مقروءة وفى الحالتين يلتزم بموضوع الخطبة الموحدة،

ذلك أن الارتجال الواعي لا يستطيعه كل خطيب، ويظل لبعض أصحاب الموهبة من الخطباء القدرة على الإدراك والتجديد

والإبداع فى ذات موضوع الخطبة بما لا يحيد عنها، ومن ثم تحقق الخطبة الموحدة مصلحة معتبرة.

تقصير خطبة الجمعة علامة على فقه الخطيب

وأشارت المحكمة إلى أن زمن إلقاء موضوع الخطبة بما بين خمس عشرة إلى عشرين دقيقة أمر لازم، ذلك أن تقصير خطبة

الجمعة علامة على فقه الخطيب، حيث يستطيع جمع المعاني الكثيرة في كلمات يسيرة، ولا يطيل فينسى الناس

بآخر كلامه أوله، وقد هذا هو هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في خطبه الراتبة، بل هو أمرُه، وهو أكمل هدي،

كما كانت مواعظه قليلة، ليُحفظ عنه ما يعظ به الناس، فخطبة الجمعة قصيرة، والمواعظ قليلة.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا،

فما رأيت رسول الله في موعظة أشد غضباً منه يومئذ؛ ثم قال: “إن منكم منفرين، فأيكم صلى بالناس فليتجوز،

فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة”.

وفي تقصير الخطبة فائدتين: الأولى ألا يحصل الملل للمستمعين، لأن الخطبة إذا طالت لا تبعث الهمم، فالناس يملُّون

ويتعبون. ومنهم الكبير والمريض،

والثانية أن ذلك أوعى للسامع، فإن طالت أضاع آخرها أولها.

عامة الفقهاء على استحباب إقصار الخطبة وعدم إطالتها

وانتهت المحكمة إلى أن فى الإطالة أو الإطناب فى وقت الخطبة يفقد التركيز عند المصلين وينفرهم من طول زمنها،

فجاء فى حديث جَابِرِ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: «كنت أُصَلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا

وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» وفي رواية: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَا يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يوم الْجُمُعَةِ إنما هُنَّ كَلِمَاتٌ يَسِيرَاتٌ».

(رواه مسلم 866).

وعامة الفقهاء على استحباب ما جاءت به الأحاديث من إقصار الخطبة وعدم إطالتها “انظر: بدائع الصنائع: 263/1، شرح

الخرشي على مختصر خليل: 82/2 والأوسط لابن المنذر: 60/4، والكافي لابن قدامة: 222/1، والمغني: 78/2″.

قال القرافي رحمه الله تعالى: «واتفق الجميع على استحسان قصر الخطبة» انظرالذخيرة 345/2.

وساق الشوكاني جملة من الأحاديث في ذلك ثم قال: «وأحاديث الباب فيها مشروعية إقصار الخطبة ولا خلاف في ذلك” نيل الأوطار 345/2.

وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: «وأما قصر الخطبة فسنة مسنونة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك ويفعله» انظر الاستذكار 363/2.

وقال أيضاً: «وأهل العلم يكرهون من المواعظ ما ينسي بعضه بعضاً لطوله، ويستحبون من ذلك ما وقف عليه السامع الموعوظ

فاعتبره بعد حفظه له وذلك لا يكون إلا مع القلة» انظر الاستذكار 364/2.

من أكثر قضاة مصر والعالم العربى إصداراً للأحكام التاريخية

وبهذا الحكم يعد القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة من أكثر قضاة مصر والعالم

العربى إصداراً للأحكام التاريخية التى تواجه النشاط الدينى والفكر المنحرف للجماعات المتطرفة، ومنها حكمه بحظر الإفتاء

من غير المتخصصين، ومناشدة المشرع تجريمه لوجود فراغ تشريعى وليس شرعيا لتنظيم عملية الافتاء.

وحكمه برفض اعتلاء المتشددين للمنابر وتحديد (9) اَليات لتجديد أساليب الخطاب الدينى، وحكمه بضم المساجد والزوايا

لإشراف وزارة الأوقاف، وحكمه بحماية دور العبادة وحظر هدم الكنائس ووجوب ترميمها وهو الحكم الأول من نوعه

على مستوى العالم لقدسية دور العبادة، لقيام المجتمع الأوروبى ببيع الكنائس، وحكمه بإحالة المتعدين من ذوى الفكر

الدينى المتطرف على المنشاَت المدنية المؤمنة بالجيش للقضاء العسكرى، وحكمه برفض نقل رفات حاخام يهودى

إلى إسرائيل لسماحة الإسلام ونظرته لأهل الكتاب ونبذ نبش قبور موتاهم، ورفض نقل الرفات للقدس لأنها عربية،

ولا يجوز نقل رفات رجل دين يهودى إليها وهو ما يجعله علامة بارزة فى التاريخ القضائى المصرى والعربى الحديث.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى