سليدرنشر حديثاًوما يسطرون

د. أسامة فخرى الجندى يكتب: التشهير الإلكتروني (الإشاعة الإلكترونية)

د. أسامة فخرى الجندى
من علماء وزارة الأوقاف

من الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي: التشهير، وهو في أدق معانيه: إشاعة أو إذاعة السوء عن إنسان أو مؤسسة بين الناس.

والناظر المدقق في هذه الكلمة (التشهير) وما يترتب عليها، يدرك مجموعة من التصورات والمعاني التي تحملها،

من حيث التسميع والتنديد، والتضليل والخداع وتزييف الوعي، ونشر الشائعات، وكثرة المزاعم والأباطيل، ونشر العيوب، والظلم، وعدم الإنصاف،

وبخس الحق، وإخفاء الخير ……. الخ.

وقد يكون التشهير بسبب الاختلاف، أو لحقدٍ وبُغْضٍ في نفس المُشهِّر للمُشَهَّر به، أو لسبقه في عملٍ ما،

وقد يكون بسبب أيديولوجية معينة، فيلجأ (المُشَهِّرُ) إلى التشهير والكيد مستعينًا بمواقع التواصل الاجتماعي المحتفلة.

والأساليب المستخدمة في التشهير قد تكون تهوينًا أو تهويلًا، وذلك من خلال عباراتٍ فجّة، أو أساليب غير مُنصِفة،

أو كلمات غير منطقية، فيها التجريح والانتقاص والسخرية والاستهزاء، وغيرها.

وقد يكون التشهير صراحة عبر الصفحات الشخصية للمستخدِمين (المشهِّرِين)، وقد يكون من خلال استحداث صفحات بأسماء

مَنْ أُريد التشهير بهم، وإرسال الدعوات للإعجاب بالصفحة، لا سيما مَن كانوا قريبين مِن الشخص المُراد التشهير به من الأصدقاء

والأقرباء والزملاء، ثم ينشر (المشهِّرُ) على هذه الصفحات ما يريده من تشهير وإيذاء.

زعزعة الثقة

ولا شك أن (المشهِّرَ) الذي يقوم بعملية التشهير إنما غايته: زعزعة الثقة بين (المُشَهَّر به) وبين معارفه وأصدقائه وكلِّ مَن

يتصل به بأية صلةٍ كانت، وأيضًا التشكيك في نواياه ومحاولة إحباط جهوده في أي عمل يقوم به .

كما أن الذي يقوم بعملية التشهير يفتقد كثيرًا إلى الفرق بين ثقافة الاختلاف وثقافة الضجيج، وأيضًا يفتقد وبشدة

إلى قيمة الإنصاف.

وقد يكون التشهير بالكلام المكتوب، أو بنشر الفيديوهات (المقتطعة أو المفبركة أو المركبة…الخ)،

أو بنشر الصور المعيبة والمشينة، لا سيما في عصر التكنولوجيا الذي وصلت فيه البرمجيات والتقنيات المختلفة ما وصلت إليه

من تركيب وتقطيع وتحكم كامل في عالم الصور وغيرها.

ونستطيع أن نقول نهايةً: لقد تعددت صور التشهير وأشكالها على مر العصور والأزمان؛ حيث لم تعد تقتصر على الكلمة المسموعة فحسب؛

بل تعدتها إلى الكلمة المكتوبة، وكذلك المرئية، والتقنية الحديثة من الإنترنت، أو شبكات التواصل الاجتماعي

التي ربطت الكلمة بالصورة، فجعلتها أكثر رواجًا، وأبلغ تأثيرًا.

ومن خصائص الإشاعة الإلكترونية (التشهير الإلكتروني) ما يلي:

السرعة؛ حيث أصبحت الشائعة لا تستغرق وقتا.

الانتشار؛ وذلك لتعدد وسائل الاستخدام، مع كافة شرائح المجتمع في العالم.

قلة التكلفة؛ فلا تحتاج إلى نفقات لتوزيعها.

التأثير الكبير على الجمهور المستهدف؛ لارتباطها بالصورة، والفيديو.

التفاعل عن بُعد؛ فلا أثر لبعد المسافات، أو البلدان، حيث أصبح العالم بين يديك.

صعوبة معرفة مصدرها؛ وهذه أخطر ما فيها، بسبب الحسابات الوهمية.

أثر سلبي على النفوس والعقول والأفكار

ولا شك أن في التشهير ونشر الشائعات أثرًا سلبيًّا على النفوس والعقول والأفكار؛ حيث إن التشهير سبيلٌ لنشر الأفكار

الهدامة، والمعتقدات الفاسدة، والتلبيس على الناس، وعاملٌ رئيسٌ في إضعاف الثقة بين الناس بعضها البعض، ومن ثمَّ نرى

الأمة الواحدة، بل والأسرة الواحدة – بسبب الشائعات – يشكك بعضهم في بعض، ويُخوّن بعضُهم بعضًا،

والتشهير يعد من أبواب الغِيبة؛ حيث يقول الله (عز وجل): (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)، وقد بيّن رسول الله (صلى الله

عليه وسلم) معنى الغيبة بقوله:

“ذكرك أخاك بما يكره..”، ولأن التشهير أيضًا لون من ألوان الإيذاء وخاصة في الادعاءات والمزاعم الباطلة غير الصحيحة،

فقد بيّن القرآن الكريم مآل صاحبه ومصيره، حيث يقول سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ

مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) أي: بغير جريمة تستحق الإيذاء، وكلمة (اكتسبوا .. ) من الافتعال لأن هناك فَرْقًا

بين: فعل وافتعل، (فعل) أي الفعل الطبيعي الذي ليس فيه مبالغة ولا تكلُّف، أما (افتعل) ففِعْل فيه تكلُّف ومبالغة،

كذلك كسب واكتسب، فَكَسب: أنْ تأخذ في الشيء فوق ما أعطيت، كما لو اشتريت بخمسة وبِعْتَ بسبعة مثلًا فهذا كسْب،

أما اكتسب ففيها زيادة وافتعال.

كسب واكتسب

لذلك تجد في العُرْف اللغوي العام أن كَسَبَ تأتي في الخير واكتسب تأتي في الشر، مثل قوله تعالى:

(لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت … )،

فـ (لها ما كسبتْ) تفيد الملكية، و(عليها) تفيد الدَّيْن؛ ذلك لأن الأمر الحلال يأتي طبيعيًّا تلقائيًّا، أما الحرام فيحتاج إلى

محاولة وافتعال واحتياط.

وكما يأتي الحرام بافتعال، كذلك يكون العقاب فيه أيضًا افتعال ومبالغة تناسب افتعال الفعل؛ لذلك يقول الحق سبحانه في

عقاب الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا: (فَقَدِ احتملوا …) ولم يَقُلْ حملوا، وفَرْق بين حَمَلَ واحْتَمَل، فـ(حَمَلَ)

تُقال لما في طاقتك حَمْله، إنما (احتمل) يعني فوق الطاقة، وإنْ حَمَلْته تحمله بمشقة، فالجزاء هنا من جنس العمل، فكما

تفاعلْتَ وتكلَّفْتَ في المعصية كذلك يكون الجزاء عليها. (فَقَدِ احتملوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً)، والبهتان: أن تقول في غيرك ما ليس

فيه، فالبهتان كذب، أمَّا الإثم: فأنْ ترتكب ذنبًا في حقه بأن تؤذيه بصفة هي فيه بالفعل، لكنه يكره أنْ تصفِه بها،

كما تقول للأعمى مثلاً: يا أعمى.

ينبغي أن تعامل الناسَ كما تحب أن يعاملوك

 

ووصف الله (سبحانه وتعالى) الإثم هنا بأنه مبين (وَإِثْماً مُّبِيناً) يعني: جَليٌّ واضح؛ لأن الوضوح في الإثم إما أن يكون بأنْ تُقِر

أنت به وتعترف بذنبك، وإما أنْ يكون بالبيّنة، فلو سألناك: أنت قلت لهذا الرجل يا أعمى، أتحب أنْ تُوصَف أنت بصفة تكرهها؟

لابُدَّ أنْ تقول: لا أحب. إذن: فالإثم هنا واضح، ويكفي إقرارك به.

وينبغي أن تعامل الناسَ كما تحب أن يعاملوك كما علَّمَنَا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكما أنه لا يُرضيك أنْ

يسرقَ الناس منك، كذلك أنت لا تسرق منهم، وكما يُؤذيك الإثمُ كذلك يؤذيهم.

وحيث إن من معاني التشهير : (التسميع)، فقد قيل في معنى قوله -صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ”،

أن معناه: مَنْ سمّع بعيوبِ الناس وأذاعها أظهر الله عيوبَه.

ثم إن التشهير أيضًا هو من أبواب إشاعة الفاحشة، قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ

أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

إياك أنْ تشيعه في الناس

والبعض يظن أن التشهيرَ بإنسان إنما يعود أثر ذلك على المشَهَّر به وحده، نعم قد تكون كذلك، لكن المصيبة هنا أن هذا

التشهير سيكون أُسْوة سيئة في المجتمع إن لم يكن له رادع، لا سيما وأنه في غير حق أو في باطل

أو في ادعاء غير صحيح.

ومن هنا وجدنا هذا التوجيه من الله (عز وجل) إلى قضية عامة وقاعدة يجب أن تُرَاعى، وهي: حين تسمع خبرًا يخدش الحياءَ

أو يتناول الأعراض، فإياك أنْ تشيعه في الناس؛ لأن الإشاعة إيجاد أُسْوة سلوكية عند السامع لمن يريد أن يفعل،

فيقول في نفسه: فلان فعل كذا، وفلان فعل كذا، ويتجرأ هو أيضًا على مثل هذا الفعل، لذلك توعد الله تعالى مَنْ يشيع

الفاحشة وينشرها ويذيعها بين الناس (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدنيا والآخرة ..).

الأَسْوأ من السيئة إشاعتها

فالبشر غير معصوم من المعصية وعمل السيئة، لكن الأَسْوأ من السيئة إشاعتها بين الناس، وقد تكون الإشاعة

في حق رجل محترم مُهَابٍ في مجتمعه مسموع الكلمة وله مكانة، وقد تكون في حق أحد الرموز في أي فن من الفنون

أو علم من العلوم أو مؤسسة من المؤسسات.

كما لا بد وأن ندرك جيدًا أن هناك فرقًا واسعًا وعميقًا بين النقد والتشهير، وبين النصيحة والتشهير، فكلٍّ منها طريقُه وسبيله.

فالمقصود من النقد هنا – من وجهة نظري – : التنبّه لأمر ما وملاحظته وتقويمه، بل إن النقد في حد ذاته يعدّ مفاعلة

ومشاركة من خلالها يقف الإنسان (الذي تم نقده) على حيثيات تقصيره ويقوم بمعالجتها وتقويمها، فيتحول هنا النقد من كونه

نقدًا ذاتيًّا إلى نقد إثرائي، يستفيد منه ويفيد به، فكأن النقد الإثرائي إذن هو الذي يدفع إلى الابتكار، والإبداع، والتصحيح،

والزيادة من فهم فن مخاطبة الناس، والزيادة من المهارات المختلفة.

التشهير تحت غطاء النصيحة

ومنهم من يقوم بالتشهير تحت غطاء النصيحة وهو يعلم من نفسه غير ذلك من التشفي أو الحسد أو التهوين من شأن مَنْ

وقع منه الخطأ وتنفير الناس عنه، ولا بد لأمثال هؤلاء أن يدركوا كلام سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) القائل فيه:

“يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللهُ

عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ”.

وأخيرًا نقو ل: إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يحب الستر، ولا يحب التشهير بالناس.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى