د. أسامة فخرى الجندى يكتب: النبى محمد .. عظيم الشرف .. عريق الأصل
اخْتِصَاصُه (صلى الله عليه وسلم) بِنَسَبٍ جَعَلَه الله تعالى للنبوة غاية ولِتَمَامِ الشَّرَفِ نِهَايَة

إن الذي يقرأ بعُمق في كُتب السِّيَر والتراجم التي تؤرخ لآباء وأجداد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في العرب،
سيجد أنه أمام آباء وأجداد كلهم سادة، يتسمون بالمجد والشرف، يتصفون بأخلاق الحِكْمَةِ والجُودِ والكَرَمِ،
يُتَرْجمون البرّ وصلةَ الرَّحِم واقعًا، ومع أن جميعَهم لم يكونوا من أهل الثراء والغِنى، إلا أنه قد انتهت إليهم الرياسةُ
والرفادةُ (إطعام الحجيج )؛ لمآثرَ وفضائلَ ومكانة تمثّلوها في عصورهم المختلفة، لا نكادُ نجدها عند غيرهم .
ولا نريد هنا أن نؤصل للنَّسَبِ الشريف بترجمة الآباء والأجداد، بقدر ما نريد أن نبيّن شرفَ هذا النَّسَب، فقد كان ـ صلى الله
عليه وسلم ـ عظيمَ الشرف وعريقَ الأصل؛ حيث كان من أشرفِ بيوت مكة وأكرمِها وأسماها بشهادة المؤرخين جميعًا ،
فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أَوْسَطُ قَوْمِهِ نَسَبًا، وَأَعْظَمُهُمْ شَرَفًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمّهِ).
العراقةَ والأصالةَ في نَسَبِه من جهتَي الأمومة والأبوّة
فقد جمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ العراقةَ والأصالةَ في نَسَبِه من جهتَي الأمومة والأبوّة، فأما من جهة الأم
المباشرة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ “السيدة آمنة”، فقد جَمَعَتْ في نَسَبِها من جهتي الأم والأب الشرفَ والمجدَ أيضًا،
حتى كانت من سلالةٍ عريقةٍ أصيلةٍ، هي نتاجها، والتي هَيَّأَتْهَا تلك الأصالةُ فيما بعد إلى أمومتها التاريخية؛
حيث أَهْدَت بعد ذلك كلَّ ما ورثته من مَجْدٍ وشَرَفٍ وكمالٍ في الأخلاق والقيَم إلى ولدِها، والذي حاز الشرفَ والكمالَ
في نَسَبِه من جِهَتَي الأمومة والأبوة، فكان حقًّا أن يعتز رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنسَبِه، فيقول:
“لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُنَقِّلُنِي مِنْ أَصْلَابٍ طَيِّبَةٍ إِلَى أَرْحَامٍ طَاهِرَةٍ، صَافِيًا، مُهَذَّبًا، لَا تَتَشَعَّبُ شُعْبَتَانِ إلا كنت في خيرِهِما”.
كان أبوه أجملَ قريشٍ وأحبَّ الشبابِ إليها
وأما من جهة الأب المباشر له ـ صلى الله عليه وسلم ـ “عبد الله”، فقد كان على منهج والده “عبد المطلب”
من حيث الشرفِ والكرمِ والجُودِ، وقد اتسم بالجمال؛ حيث كان أجملَ قريشٍ وأحبَّ الشبابِ إليها ،وقد جمع فى خُلُقِه
طيبةَ النفس، واطمئنانَ القلب، ورضا بما يجرى به القَدَرُ مع استعدادٍ للفداء إن كان هناك ما يقتضيه،
لم يتردد أن يقدِّمَ نفسَه لأبيه ليوفى بنذره، فاستعد لأن يذبح، فكان الذبيحَ الثانى بعد جدِّه العظيم “إسماعيل”عليه السلام .
وقد كان “عبدُ الله” مثالًا في كمال العفة، فهو العفيفُ الذى لا يريد إلا الحلالَ، ولا يبتعد عنه، ولقد كان شعارُه
الذي التزمه طيلة حياته ما عبّر عنه بقوله: (أَمّا الحَرَامُ فَالمَمَاتُ دُونَهُ … وَالحِلُّ لا حِلٌّ فَأَسْتَبِينُهُ) .
إذن فقد صان “عبدُ الله” نفسَه، وصان أمانته، وصان خُلُقَه وكرَامتَه، فأراد أن يعيش طاهرًا كريمًا محبوبًا، لينقلَ
وديعةَ الله تعالى للإنسانية، الذى ينقل رسالتَه سبحانه وتعالى إلى خَلْقِه، وذلك بزواجٍ طاهرٍ حلال.
محمد نخبة بني هاشم وأشرف العرب وأعزّهم نفرا
فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذن هو نخبة بني هاشم، وسلالة قريش وصميمها، وأشرف العرب، وأعزّهم نفرا
من قبل أبيه وأمه، وقد عبَّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن شرف هذا النسب، فقال: “إِنَّ اللهَ اصْطَفَى
كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ”.
وقَالَ الْعَبَّاسُ: بَلَغَهُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بَعْضُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، قَالَ: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: “مَنْ أَنَا” ؟ قَالُوا :
أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: “أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ،
فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ، وَخَلَقَ الْقَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ، وَجَعَلَهُمْ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا،
فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتًا وَخَيْرُكُمْ نَفْسًا”.
سلالة آباء كرام
وقد قال “الإمام القسطلاني” صاحب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية: (ثم اعلم أنه – عليه الصلاة والسلام – لم يشركه
في ولادته من أبويه أخ ولا أخت، لانتهاء صفوتهما إليه، وقصور نسبهما عليه، ليكون مختصّا بِنَسَبٍ جعله الله تعالى
للنبوة غاية، ولتمام الشرف نهاية، وأنت إذا اختبرت حال نسبه، وعلمت طهارة مولده تيقنت أنه سلالة آباء كرام).
اللهم صلِّ على سيدنا محمد صلاةً تجمعُ بها رُوحَ المُصَلَّى عليه بالمُصَلِّي عليه
اللهم آمين بجاه الأمين.