د. أسامة فخرى الجندى يكتب : فضائل عظيمة ومِنَح جليلة

قال تعالى: {إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي ياأيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56]
فإن للصلاة والسلام على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فضائلَ عظيمة ومِنَحًا جليلة ، منها :
1- تشريف المُصَلِّي على النبي (صلى الله عليه وسلم) بإبلاغِ سلامِهِ للرسولِ (صلى الله عليه وسلم) ،
وردّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) عليه السلام ؛ حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) :
“إنَّ للَّهِ ملائِكةً سيَّاحينَ في الأرضِ يبلِّغوني عن أمتيَ السَّلامَ” ، وقال (صلى الله عليه وسلم): “مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَىَّ
إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَىَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ”، وعن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
“أكْثِرُوا الصلاةَ عليَّ، فإنَّ اللهَ وكَّلَ بي ملَكًا عند قبري، فإذا صلَّى عليَّ رجلٌ من أُمَّتِي قال لي ذلك المَلَكُ:
يا محمدُ إنَّ فلانَ بنَ فلانٍ صلَّى عليك الساعةَ”.
من صلَّى عليه واحدةً صلَّى اللَّهُ عليهِ عشرَا
2- نَيْلُ رحمة الله (عز وجل) وواسع فضله وكرمه بكثرةِ الصَّلاة والسَّلام على نبيّنا (صلى الله عليه وسلم) :
فإذا كانت الصلاة من الله تعني الرحمة، فإنه (صلى الله عليه وسلم) قال: “… من صلَّى عليَّ واحدةً
صلَّى اللَّهُ عليهِ عشرَا..”، وقال أيضًا: ”من ذُكِرْتُ عنده فَلْيُصَلّ عليَّ، ومـن صـلَّى عليّ مــرةً صَلّى اللهُ عليه عشرًا”.
3- استغفارُ ودعاءُ الملائكة : حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): “ما مِن مُسلِمٍ يصلِّي عليَّ
إلَّا صلَّت عليهِ الملائِكةُ ما صلَّى علَيَّ فليُقلَّ العَبدُ من ذلِكَ أو ليُكثِرْ”.
4- كفاية الهموم ومغفرة الذنوب :
فعن أبي بن كعب (رضي الله عنه) أنه قال: يا رسولَ اللهِ إِنَّي أُكْثِرُ الصلاةَ عليْكَ فكم أجعَلُ لكَ من صلاتِي؟
فقال : “ما شِئْتَ”، قال: قلتُ الربعَ، قال: “ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ”، قلتُ: النصفَ، قال: “ما شئتَ
فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ”، قال: قلْتُ فالثلثينِ، قال: “ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ”، قلتُ:
أجعلُ لكَ صلاتي كلَّها ؟، قـال : ” إذًا تُكْفَى همَّكَ ويغفرْ لكَ ذنبُكَ”.
5- نيل شفاعته (صلى الله عليه وسلم):
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أنه سمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول:
“إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا،
ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُــونَ أَنَا هُــوَ،
فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِــيلَةَ حَلَّــتْ لَــهُ الشَّفَاعَةُ”، وقال (صلى الله عليه وسلم) “أولى النَّاسِ بي يومَ القيامةِ
أَكثرُهم عليَّ صلاةً”.
6- رفع الدرجات وحطّ الخطايا والسيئات:
يقول (صلى الله عليه وسلم): “من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى اللَّهُ عليهِ عشرَ صلواتٍ، وحُطَّت عنهُ عَشرُ خطيئاتٍ،
ورُفِعَت لَهُ عشرُ درجاتٍ”، وعن أبي طلحة الأنصاريّ (رضي الله عنه) قال:
أصبح رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوما طيّب النّفس يرى في وجهه البشر. قالوا: يا رسول الله:
أصبحت اليوم طيّب النّفس يرى في وجهك البشر، قال: “أجل، أتاني آت من عند ربّي (عزّ وجلّ)، فقال:
من صلّى عليك من أمّتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيّئات،
ورفع له عشر درجات، وردّ عليه مثلها”.
** ومن لطيف الصلاة الإبراهيمية حين نقول اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدن محمد
كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم،
نذكر بعضًا من آراء العلماء في ذلك،
للوقوف على مفهوم التشبيه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين المشبَّه والمشبَّه به.
• فمنها: أن التشبيه إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة، لا للقَدْر بالقَدْر، فهو كقول القائل: أحسن إلى والدك
كما أحسنت إلى فلان، ويريد بذلك أصل الإحسان لا قَدْره، فمن المعلوم ومما لا شك فيه
أن قدر الوالد أرفع شأنا من أي فلان آخر .
وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى؟
• ومنها: رفع المقدمة المذكورة أولا، وهى أن المشبه به يكون أرفع من المشبه، وأن ذلك ليس مطردًا ولا مطلقًا،
بل قد يكون التشبيه بالمثل، بل بالدون، كما في قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشكاةٍ}، وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى؟
ولكن لما كان المراد من المشبَّه به أن يكون شيئًا ظاهِرًا واضِحًا للسَّامِع، حَسُنَ تشبيه النور بالمشكاة،
وكذا هنا: لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهورًا واضِحًا عند جميع الطوائف
حسن أن يَطْلُبَ لسيدِنا محمد وآل سيدنا محمد بالصلاة عليهم مثل ما حصل لسيدنا إبراهيم وآل سيدنا إبراهيم،
ويؤيد ذلك ختم الطلب المذكور بقوله (في العالمين) أي كما أظهرت الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين،
ولهذا لم يقع (في العالمين) إلا في ذكر إبراهيم دون ذكر آل محمد على ما وقع في الحديث.
سيدنا محمد من آل إبراهيم
• ومنها: وأحسن منه أن يقال: هو – صلى الله عليه وسلم – من آل إبراهيم، وقد ثبت ذلك عن ابن عباس (رضي الله عنهما)
في تفسير قوله: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ } قال: محمد من آل إبراهيم،
فكأنه أمرنا أن نصلي على محمد وعلى آل محمد خصوصًا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عمومًا،
فيحصل لآله ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له، وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم. وتظهر حينئذ فائدة التشبيه،
وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ.
المحبة والخلة من آثار التجلي بالجمال
• ومنها : ما ذُكر عن أبي محمد المرجاني أنه قال: وسر قوله- صلى الله عليه وسلم- (كما صليت على إبراهيم،
وكما باركت على إبراهيم) ولم يقل: كما صليت على موسى، لأن موسى (عليه السلام) كان التجلي له بالجلال،
فخر موسى صعقا، والخليل إبراهيم كان التجلي له بالجمال، لأن المحبة والخلة من آثار التجلي بالجمال، فلهذا أمرهم –
صلوات الله وسلامه عليه – أن يصلوا عليه كما صلى على إبراهيم، فيسألوا له التجلي بالجمال،
وهذا لا يقتضي التسوية فيما بينه وبين الخليل – صلوات الله وسلامه عليهما -، لأنه إنما أمرهم أن يسألوا له التجلي
بالوصف الذى تجلى به للخليل – عليه الصلاة والسلام -، فالذي يقتضيه الحديث المشاركة في الوصف
الذي هو التجلي بالجمال، ولا يقتضي التسوية في المقامين ولا الرتبتين، فإن الحق سبحانه يتجلى بالجمال لشخصين
بحسب مقاميهما، وإن اشتركا في وصف التجلي بالجمال، فيتجلى لكل واحد منهما بحسب مقامه عنده، ورُتبته منه ومكانته،
فيتجلى للخليل – عليه الصلاة والسلام – بالجمال بحسب مقامه، ويتجلى لسيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – بالجمال
بحسب مقامه، فعلى هذا يفهم الحديث.
وبعد: فإن الناظر بعمق يدرك
أن فضائل الصلاة والسلام على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) لا تُحصى ولا تُعد،
فمنها ما ظهر ، ومنها ما يجل عن العد والحصر.
فاللهم صلِّ على سيدنا محمد صلاةً تجمع بها روحَ المُصَلَّى عليه بالمُصَلِّي عليه.. اللهم آمين.