د. أسامة فخرى الجندى يكتب: من مخاطر التأثيرات السلبية لمواقع التواصل
• فقدانُ التفاعلِ الاجتماعِيّ.. (العزلة والانطواء)

إن الاستخدامَ المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي يؤدي على المدى الطويل إلى المشاركات الافتراضية التي تصل بالمستخدِم إلى العزلة
وتكسيرِ العلاقات الاجتماعية الحقيقية،
فبعض الأُسر تشهد اليوم ضعفًا في العلاقات بداخلها، وساد الطابعُ الفردِيُّ غالبًا على نمط الحياة الأُسرية بها؛
مما أدى إلى انخفاض التفاعل الاجتماعي الطبيعي بين أعضاء الأسرة وأفرادها، أو بين الأسرة والأقارب؛ وذلك بسبب مواقع التواصل الحديثة،
فتقَلّص بناءً على ذلك التواصلُ الأسري، وتقلّصت ساعاتُ جلوسِ الأسرة مع بعضها، ولم يقفْ الأمر عند حدود الأسرة أو الأقارب.
بل انحسر أيضًا الدور الفاعلُ لعلاقات التضامن الاجتماعي، والتي نلحظُها في عَلاقات الجِيران، والمشاركات المجتمعية،
وقِيَم التكافل، والتعاون، والمشاركات الوجدانية أيضًا، وهذا يعود إلى تقليد ومحاكاة النموذج الغربي.
في متناول يد الجميع متى أرادوا وفي أي وقت
والسبب في ذلك راجع إلى كون هذه المواقع لم يعد تصفُحِها قاصرًا على الحاسب الآلي “الموجود بالمنزل” أو مكان العمل،
بل أصبحت في متناول يد الجميع متى ما أرادوا وفي أي وقت وفي أي مكان عبر الهواتف النقالة الحديثة، والتي هي في تطور مستمر .
إن العزلةَ الاجتماعيةَ، التي هي أحدُ نتائج الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي، هي صورة معبّرة
وسبيل رئيس لمعنى الانفصال عن الآخرين،
سواء كان ذلك بوعي أو بدون وعي، وكما أن لها تأثيرًا سلبيًّا على الصحة البدنية – نظرًا لقضاء وقت طويل أمام مواقع التواصل
من حيث ما يشعرُ به المستخدِمُ لها من صداع، وخمول، وإرهاق، وعدم القدرة على المشاركة في القيام ببعض الأنشطة الحياتية،
وربما يجد صعوبةً في النوم، ويكون استيقاظه على فترات قصيرة، بحيث يكون النوم كثيرًا، وهذا في حد ذاته إهدار للعمر واستهلاكه فيما لا ينفع.
تأثير سلبي على الصحة النفسية
كما أن لهذه العزلة الاجتماعية أيضًا تأثيرًا سلبيًّا من جهة أخرى على الصحة النفسية، من حيث زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب
أو القلق أو التوتر عند عدم استخدامها، وكذلك الانحسار الثقافي والقِيَمي والمعرفي فيما يتابعه المستخدِمُ وفقط….. الخ،
ولا يفوتنا تأثيرها على النظام الحياتي بوجهٍ عام؛ حيث يؤدي الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي إلى الإهمال في أداء الواجبات المنزلية،
ويؤثر بشكل سلبي على تنظيم مواعيد الطعام الجماعي، بالإضافة إلى أنها تعزله عن الواقع الذي يعيش فيه، وتساعد على إضعاف الاستقلالية والاعتماد على الذات.
وبشكلٍ عام فإن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي يُسبّبُ العزلةَ الاجتماعية، التي هي تجنب أي شكل من أشكال الاتصال؛
مما ينتج فردًا هزيلًا ضعيفًا لديه تآكل ثقافي ومعرفي واجتماعي، ومن ثَمَّ تتشكل عقليتُه ونفسيتُه تبعًا لذلك.
انحسار قِيمي ومعرفي واجتماعي
ونشير هنا إلى أن العزلة قد تتحققُ أيضًا من خلال معاني أخرى، فالاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي يجعل المستخدِمَ يتعاملُ مع عالم افتراضي ومع مجموعة من الأشخاص ربما لا يدخلون في نطاق المعارف والأقارب،
وربما حقييتعامل مع مجموعةٍ من الأشخاص غير قيين (وهميين على مواقع التواصل)، وفي كل الأحوال لا يستطيع المستخدِمُ أن يراهم في نطاق مجتمعه ولا يستطيع أن يتعامل معهم بشكل مباشر.
من هنا وجب التنبّه على هذا الأثر السلبي الذي بلا شك يؤدي إلى انحسار قِيمي ومعرفي واجتماعي…..الخ،
بالإضافة إلى التشويش الثقافي؛ مما يُنتج شخصيةً بعيدةً عن الواقع، منغمسةً في عالمٍ افتراضي ليس له أصل من الصحة،
وليس له وجود حقيقي رصين، ومن ثَمّ يكون المستخدِمُ لهذه المواقع – بالطريقة المشار إليها هنا – قد عاش فترةَ طويلةً
وقد تأسس ونشأ فيها على ضعف الترابط الاجتماعي الحقيقي بين الناس، وكذلك تعبئته بمجموعة من الأفكار التي تم ترويجها فترة انعزاله (عن الواقع ومع هذا العالم الافتراضي) بدون تمحيص وتدقيق لها، ومعرفة ما هو صحيح منها وما هو باطل،
وما هو يَبني منها وما هو يَهدم، وما هو يحافظ على الهُوية وما يكون سببًا في إهمالها، وما يصنع حضارة وما يكون سبيلًا لانهيارها .