د. أسامة فخرى الجندى يكتب: مواسم الطاعات وفضائل الأعمال

إن الله (عز وجل) قد اختص من أيام الدهر مواسمَ الطاعات وفضائل الأعمال، تتضاعفُ فيها الحسنات،
وتكْثُرُ فيها الخيرات، وترفع فيها الدرجات،
وترغيبًا في أن يكون المؤمنُ على صلة دائمة بربه (عز وجل).
وإن العاقل هو من يغتنم هذه المواسمَ فيقوم بإخلاص النيةفيها، وإحسان العمل.
ويُقبل على ربِّه (عز وجل) ويستكثر من فعل الخيرات، ويتعرض للنفحات والرحمات،
حيث يقول نبيينا (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّ لِرَبِّكُمْ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ،
فَتَعَرَّضُوا لَهَا،لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا”.
أيام شريفة.. وأوقات جليلة
ومما لا شك فيه أننا فى موسِمٍ هو من أعظم المواسم أجرًا، وأجلِّها قدرًا: إنها (العشر الأول من ذي الحجة)،
فهي أيام شريفة، وأوقات جليلة، أعلى الله (عز وجل) من شأنها، وبيّن النبي (صلى الله عليه وسلم) فضلها ومنزلتها،
ومن ذلك: أن الله (عز وجل) أقسم بها في كتابه العزيز: فقال سبحانه: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)،
والمقصود بالليالي العشر هنا كما ذكر جمهورُ المفسرين هي العشر الأول من ذي الحجة،
ومعلوم أن الله (عز وجل) لا يقسم إلا بعظيم، فالقسم بها تكريم لها، وتنويه بشأنها، وبيان لفضلها، وإرشاد لأهميتها.
أيام تجتمع فيها أمّهاتُ العبادات
ومن فضائل الأيام العشر: أنها الأيام المعلومات التي قال الله تعالى عنها: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ )،
فهذه أيام تجتمع فيها أمّهاتُ العبادات بما لا يجتمع في غيرها من أيام السنة كلِّها، كالصلاة، والصيام، والصدقة، والبر، والحج.
ومن فضائل هذه الأيام: شَهادَةُ سيدِنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لها بأنّها أحبُّ الأيام إلى الله تعالى،
وأن العملَ الصالِحَ فيها أحبُّ إلي الله (عز وجل) من غيرها، إذ قال (صلى الله عليه وسلم):
“مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ..”.
ميدانُ السبقِ إلى الخيرات
فهذه الأيام إذن ميدانُ السبقِ إلى الخيرات، والحرص على نيل أعلى الدرجات،
وذلك لأن الله (عز وجل) قد جعل ثوابَ العملِ الصالحِ فيها أكثرَ ثوابًا وأعظمَ أجرًا من العمل فيما سواها،
حيث يقول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
“مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟” قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: “وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ،
فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ”.
ولذا ينبغي على كل مسلم أن يغتنم هذا الفضل الكبير، والأجر العظيم بالتقرب إلى الله (عزوجل) بألوان الطاعات،
وصنوف العبادات المختلفة، وأن يقوم بالكثير من الأعمال الصالحة.
كل ما يحقق القيم الإنسانية من العمل الصالح
والعمل الصالح: هو كل عمل يعود بالخير عليك أو على غيرك، وهو كل عمل تتسع فيه دوائر الخير والنفع،
ومن هنا فالعمل الصالح غير منحصر في جانب دون آخر، بل كل ما يحقق القيم الإنسانية،
ويؤدي إلى صناعة مجتمع مترابط زكي النفس، تسوده الألفة والتعاون والبناء والتنمية،
وتعلوه قيم التسامح والحب والرحمة، ويؤدي إلى صناعة حياة مطمئنة هادئة، فهذا من العمل الصالح.
ومعنى ذلك أن كل من اجتهد وأحسن في علم أو زراعة أو تجارة أو صناعة أو مهنة أو حِرفة،
وهذا عمل صالح، يتعدى نفعه إلى الغير (الأفراد)، ويتجاوز خيره إلى الكل (المجتمع).
الصيام والذكر والصدقة والتوسعة على الفقراء
وعلى العبد أن يتقرب إلى الله (عز وجل) بالأعمال الفاضلة في هذه الأيام المباركة، ومن هذه الأعمال:
الصيام والذكر وقراءة القرآن الكريم، ومنها: الصدقة والتوسعة على الفقراء.
ومن الأعمال الجليلة التي يتقرب بها العبد إلى الله (عز وجل) في هذه الأيام: (الأضحية)،
فهي شعيرة من شعائر الله (عز وجل)، وهي علَم على الملة الإبراهيمية، ودليلٌ على السنة المحمدية،
حيث يقول سبحانه وتعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
وعندما سئل سيدنا رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) ما هذه الأضاحي؟ قال: “سنة أبيكم إبراهيم”.
كما تتحقق بالذبح تتحقق بشراء الصك
والأضحية صورة من صور التكافل المجتمعي التي تؤكد وتحقق قيم التواد والتراحم والترابط بين أفراد المجتمع.
وعلمًا بأن الأضحية كما تتحقق بالذبح تتحقق بشراء الصك، ولا شك أن ذلك يعظم من نفع الأضحية،
وبخاصة لمن لا يملك آلية لتوزيعها على الوجه الأمثل، مما يجعلها تصل عبر منظومة الصكوك إلى مستحقيها الحقيقيين،
وهو ما يزيد من نفع الأضحية وثوابها في آن واحد، كما أنه يسهم في إيصال الخير إلى مستحقيه بعزة وكرامة.
مراعاة الضوابط الصحية والبيئية
وما أجمل أن يجمع المستطيع الموسر بين الأمرين:
ذبح الأضحية توسعة على أهله وذويه، شريطة مراعاة الضوابط الصحية والبيئية والحفاظ على سلامة البيئة،
وعدم أذى الآخرين بالذبح خارج المجازر الرسمية، وبين شراء الصكوك توسعة على عامة الفقراء في المناطق الأكثر احتياجا.
ونسأل الله العلي العظيم أن يعجل برفع البلاء عن البلاد والعباد، وعن مصرنا العزيزة وسائر بلاد العالمين.