سليدرنشر حديثاًوما يسطرون

د. صبرى الغياتى يكتب: السبحانية في الإسراء والمعراج

 مدير عام الدعوة بالجيزة
مدير عام الدعوة بالجيزة

كثير ممن تعرضوا للحديث عن الإسراء والمعراج عرضوا للقضية من وجهة نظر بشرية

وقاسوها بمقدرات البشر، ولذلك تجد أن منهم من قال: إن الرحلة كانت مناما، ومنهم من قال:

إنها كانت رحلة بالروح دون الجسد، ومنهم من أنكرها بالكلية فليس هناك رحلة الإسراء والمعراج،

وما الحديث عن هذه الرحلة إلا ضرب من خيالات الكتاب والمؤرخين، وهؤلاء جميعا ما أنصفوا الحق من أنفسهم ،

لأن وجود الرحلة ثابت في القرآن الكريم، وله في السنة الصحيحة أكثر من ثمانية عشر طريقا

بعضها يعضد بعضا في الصحة، ويكفي ورودها في القرآن الكريم صراحة في سورتي الإسراء والنجم حيث تحدثت الأولى

عن الإسراء والثانية عن المعراج، ومن ثم فلا مجال للإنكار، ولكن القضية لها بعد آخر لأن الذين قالوا بأنها كانت بالروح فقط

أو أنها كانت مناما غفلوا أن المشركين الذين كانوا يتربصون بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما أنكروا الرحلة في الإسراء قالوا:

إننا نضرب إليها أكباد الإبل شهرا ذهابا وشهرا إيابا، فلو كان الأمر أن النبي أخبر بأنه أسري به مناما أو بالروح فقط

ما كان الإنكار منهم، لأن ذلك أمر لا ينكر على أحد إذ هو أمر ممكن، وأما الذين أنكروا الرحلتين جملة، فإنهم قد فاتهم أمر مهم

جدا، وهو أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يدع ذهابه إلى بيت المقدس أو عروجه في السماوات العلى بنفسه ـ صلى

الله عليه وسلم ـ وإنما أخبر القرآن الكريم أن الحق تبارك وتعالى هو من أسرى به وهو من عرج به إلى السماوات العلى

ثم إلى سدرة المنتهى، وهنا تذهب أقوال هؤلاء وأولئك جميعا أدراج الرياح، لأن الحق تعالى لا يعجزه شيء،

لا تقيسوا هذه الرحلة بعقولكم فإدراكاتكم محدودة

ولذلك صدر الحديث هنا بمصدر السبحانية، كأنه قال: لا تقيسوا هذه الرحلة بعقولكم فإدراكاتكم محدودة، ولا تقيسوها

بقدركم، فقدركم عاجزة، ولكن خذوا هذا الحدث في إطار السبحانية لله، لأن الله سبحانه هو الذي أسرى بعبده وهو الذي

عرج به إلى السماوات العلى ثم إلى سدرة المنتهى.

خذ الحدث في إطار (ليس كمثله شيء)

ولذلك تجد أن ورود مادة التسبيح في القرآن الكريم قد أتى بالفعل الماضي (سبح)، والمضارع (يسبح)، والأمر

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ولم يأت بالسبحانية مصدرا إلا حيث يكون الأمر بعيدا عن إدراكاتنا وعن قدراتنا نحن البشر،

ولذلك وردت في الحديث عن خلق عيسى (عليه السلام) كثيرا، للدلالة على طلاقة القدرة الإلهية، وفي كل أمر عظيم كذلك:

(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ) (36)سورة يسن، ولذلك جاء بمصدر

السبحانية في الحديث عن الإسراء والمعراج ، ليؤكد أنه طالما أن الحق تعالى قد نسب الفعل لذاته – سبحانه – فلا يأتي أحد

ليقيس الأمر بقدرته وإدراكه هو، ولكن في إطار من السبحانية، بمعنى: أنت لك وجود، والله تعالى له وجود، ولكن وجوده

يختلف عن وجودنا، وأنت لك قدرة محدودة، والله تعالى له قدرة ولكنها ينتهي إليها جميع القوى والقدر، فلا ينبغي أن تقيس

فعل الله بعقلك أنت، ولكن خذ الحدث في إطار (ليس كمثله شيء)، فالتعبير بالمصدر هنا معناه أنه يشمل التسبيح في

الماضي والحاضر والاستقبال، بل يدل على كمال التنزيه والتمجيد له سبحانه وتعالى، وهو لم يأت بمصدر التسبيح هكذا

وإنما جاء بالمصدر هنا على صيغة (فُعلان)، والتي تدل على أن الأمر قد بلغ التمام في بابه بحيث لا مزيد عليه، وأي مزيد

بعد دخوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سبحات النور الإلهي، ووقوف جبريل قائلا: لو تقدمت أنا لاحترقت، ولو تقدمت أنت

يا محمد لاخترقت، بل أي مزيد على هذا التكريم الإلهي للنبي ـ الله عليه وسلم ـ والذي ما بلغ مبلغه

نبي مرسل ولا ملك مقرب.

تكريم وتشريف للنبي (صلى الله عليه وسلم)

حقيقة إن رحلة الإسراء والمعراج كانت معجزة لا للتحدي، وإنما هي تكريم وتشريف للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وستظل

هذه الرحلة المباركة مصدر إلهام لكل من ضاقت الدنيا عليه، كما كانت إلهاما للشعراء والأدباء العرب وغير العرب، وما كتب

الشاعر الألماني (دانته) الكوميديا الإلهية إلا استلهاما من أحاديث الإسراء والمعراج، فكيف يتنكر المنتمون للإسلام تلك

المعجزة، إلا أن يكون ذلك ضربا من الجهل بحقيقة المعجزة ومقام النبي عند رب العزة سبحانه وتعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى