سليدرنشر حديثاًوما يسطرون

د. صبرى الغياتى* يكتب: بين الشيطان والنفس البشرية

الشيطان هو عدو الإنسان الأكبر، فهو الذي أقسم بين يدي الله تعالى “قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم

المخلصين” وفي الحديث: (لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أبدانهم)، وتلك عداوة قديمة تعود إلى قصة خلق آدم

عليه السلام عندما أمره الحق تعالى بالسجود لآدم فأبى واستكبر وقال: “أَنَا خَيْر مِنْهُ خَلَقْتنِي مِنْ نَار وخلقته من طين”،

فمن هنا لعن إبليس وطرد من رحمة الله بسبب آدم فتلك عداوة قديمة، وكان من الممكن أن ينتهي الأمر عند ذلك،

ولكن إبليس عليه اللعنة طلب من الله أن لا يعجل به وأن يؤخره ليوم القيامة حتى يغوي بني آدم، ومن يومها وإبليس وجنده

ليس لهم هم إلا أن يغرس بني آدم في أوحال المعاصي والشهوات حتى يضعهم في الحضيض، ثم يرفع هو رأسه ضاحكا ملء

شدقيه مرددا قالته القديمة: “أَنَا خَيْر مِنْهُ خَلَقْتنِي مِنْ نَار وخلقته من طين” وكأنه ما طلب الإنظار من الله

إلا ليؤكد أنه خير من البشر،

هناك من البشر من هم شر من إبليس

 

وربما يكون القرآن الحكيم جاء بهذه القصة على تلك الطريقة، ليؤكد أن هناك من البشر من ينغمسون في أوحال المعاصي

والشهوات فهم شر من إبليس نفسه.

وللشيطان مع النفس البشرية مدخلين أساسيين يرتبطان بحال الإنسان مع النعمة، فحال الإنسان مع النعمة لا يتعدى الخوف

من الموت أو الفوت، بمعنى أن الإنسان يخشى أن يزول عن النعمة، فيموت أو يرحل عن النعمة، أو يخاف فوات النعمة بأن تزول

عنه النعمة فيفتقر بعد غنى أو يذل بعد عزة أو يزول عنه منصبه أو جاهه، وكم يرتكب الإنسان من موبقات خشية فوات المنصب

أو الجاه.

إبليس لم يكن ليتغلب على بني آدم إلا بأمرين

فتلك من أهم مداخل الشيطان ووسواسه إلى النفس البشرية، وهذان هما المدخلان اللذان دخل منهما إبليس عليه اللعنة

لآدم عليه السلام قال: “قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍۢ لَّا يَبْلَىٰ” فشجرة الخلد المقصود منها أن يصبح آدم

عليه السلام وزوجه من الخالدين، فلا يدركهما الموت أو الفناء، وملك لا يبلى يقصد منه نعمة لا تزول ولا تنتهي.

ونحن نلاحظ في القصة القرآنية أن إبليس لم يكن ليتغلب على بني آدم إلا بأمرين، الأول: في قوله “فبعزتك” أي أنه

لولا عزة الحق عن الخلق ما استطاع الشيطان غوايتهم، وفي الأثر أن إبليس عليه اللعنة لما طرد ولعن لأجل آدم قال:

يا رب أخرجتني من الجنة لأجل آدم ولا أقدر عليه إلا بتسليطك. قال: فأنت مسلط عليه، أي على ذريته. فإبليس لم يتسلط علينا

إلا بعزة الحق عنا.

والأمر الثاني: هوى النفس البشرية وأتمارها بالسوء، فلولا هوى النفوس وأتمارها بالسوء ما استطاع الشيطان أن يجد إلينا سبيلا.

نسأل الله تعالى أن يعصمنا من هوى النفس ووسواس الشيطان، وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

*د. صبرى الغياتى

عضو المكتب الفنى لوزير الأوقاف

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى