د. صبرى الغياتى* يكتب : بين القرآن الكريم والنفس البشرية
قال لي أحدهم: إني لأجهد جهدا كبيرا وأجد مشقة بالغة عند إحضار المصحف
والشروع في قراءة القران الكريم.. بل أحيانا أجد في نفسي ثقلا وضيقا لا علم مصدره ،
حتى أني حسبت أني ممن عناهم القرآن الكريم بقوله:
“وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ” (الأنعام ـ 125).
ولا أدري ما ذا أفعل ولماذا أجد هذه الصعوبة في الإقبال على القرآن؟.
ألم يقل ربنا: “لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” (الحشر ـ 21)، فما لي لا أجد هذا الأثر في نفسي؟!.
فقلت من فوري: وتلك حقيقة لا يماري فيها أحد، ودعني أشرح لك الأمر قليلا:
الحق تعالى قال لنا إذا أردنا قراءة القرآن: “فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ” (98 ـا لنحل)،
والمعنى: أنك إذا اتجهت نيتك لقراءة القرآن فقدم لذلك بالاستعاذة بالله من الشيطان، لماذا؟..،
لأن للقرآن صفائية عالية، والشيطان هو أكبر معوقات هذه الصفائية واتحادها بالنفس البشرية،
ولذلك أقسم أمام الحق تعالى فقال: “فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ” (82 ـ سورة ص)، وقال: “لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ” (16 ـ الأعراف) .
وذلك لأن إبليس عليه اللعنة عصى وطرد من رحمة الله، فلماذا يكون هو العاصي وحده؟،
ولماذا لا يكون بنو آدم كلهم عصاة مثله؟ وذلك انه طرد من رحمة الله بسبب آدم، فتلك عداوة قديمة.
ليس من نفسك وإنما هو من الشيطان
فما تجده أنت من هذا الضيق ليس من نفسك وإنما هو من الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق
وهو الذي يضيق بالقرآن وبقراءتك للقرآن ، ولأن قراءتك هذه إقبال منك على الله وعلى كتابه، والقرآن – كما ذكرت لك –
له تأثير لا ينكر على النفس البشرية، فالقرآن هو كتاب الله ، وهو كتاب منهج وكتاب هداية وقراءة القرآن
تصل بالنفس إلى درجة عالية من الصفائية والاتصال بالله ، وهناك مسألة تكلم عنها العلماء وهي مسألة: (الفاعل .. والقابل)
والفاعل هو القرآن الكريم الذي يؤثر في النفس البشرية تأثيرا يرفعها إلى أعلى الدرجات حتى كأنها تسمع القرآن الكريم
من الله ، والقابل هو الشخص المستقبل لهذا الأثر، المتلقي للقرآن الكريم قراءة أو سماعا، وهنا يتدخل الشيطان
بين الفاعل والقابل حتى يمنع تأثير القرآن في نفسك فتلك أصل مهمته أن يقطع اتصال الخلق وتعلقهم بالحق حتى ينفرد بهم ويفرض سلطانه عليهم.
أثر فعل الشيطان وصراع النفس معه
وما تجده يا أخي من هذا الضيق إنما هو أثر فعل الشيطان وصراع النفس معه، فلا تضعف ولا تترك القرآن
مهما شعرت بهذا الضيق، واعلم أن هذه حالة من جهاد الشيطان، وهو صراع نفسي داخلي فمن ثم فإنك تجهد جهدا كبيرا حتى تروض نفسك على قراءة القرآن، واعلم أن ذلك إنما يكون في بداية التعلق وفي أول الطريق، ولكنه يزول بالدربة والإصرار وترويض النفس على قراءة وسماع والتعلق بالقرآن الكريم .
فاستعن بالله ولا تعجزن وابدأ بالوضوء فإنه يطفئ لهب الشيطان، ثم استعذ بالله وابدأ في قراءتك، وإياك أن يصدق الشيطان عن القرآن وعن الصلاة،
واجعل هذه الآية الكريمة أمامك دائما قال تعالى:
“إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ” (91 ـ المائدة).
*عضو المكتب الفنى لوزير الأوقاف