د. عصام الهادى يكتب: زمن القسوة والعنف
كأننا أصبحنا فى زمن غير الزمن، ومع أشخاص غير الأشخاص، ففى دنيا الناس نرى كل يوم عجب العجاب:
شخص يذبح أمه من أجل الدنيا، ورجل يذبح رجلا على مرأى ومسمع، والجميع يشاهد ويقوم بالتصوير عبر الجوال،
وآخر يقوم بسحل ابنه المعاق وتعذيبه وضربه، وأيضا يشاهد الناس ويضحكون ويقومون بتصوير المشهد كما هو،
كأنهم حققوا إنجازا وانتصارا على العدو..
أظن أن هؤلاء لاينتسبون لعالم الإنس، ربما هم من عالم الجن، ربما هم من الشياطين، وسواء عرفنا حقيقة جنسهم
وهويتهم أو لم نعرف، فأقل مايقال فيهم وفى أمثالهم أنهم فصيل لايعرف معنى الأخلاق، لايعرف معنى المروءة والأدب والحياء،
فقدوا عقولهم، وغابت ضمائرهم وغلظت قلوبهم، أشخاص يحرم علينا أن نشبههم بالحيوان، فالحيوان لايكون غادرا
لحيوان آخر عزيز عليه، ومن فصيلته ودمه.
قتل وتعذيب وسفك للدماء وانتهاك لحرمة النفس البشرية التى كرمها الله عز وجل من فوق سبع سماوات: « ولقد كرمنا
بنى آدم». أى قلوب هذه؟، وأى قسوة هذه؟، انتُزعت الرحمة من هذه القلوب الجافية، والأنفس الحقيرة، إن هؤلاء الأشخاص
يعانون من عمى فى القلوب، وضلال فى الفكر وخلل فى العقيدة، ونقص فى الدين، لقد نبهونا إلى أن الله عز وجل
قد يستبدل أقواما بأقوام: «وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم»، إنهم ذكرونا بكلام المصطفى ـ صلى الله عليه
وسلم ـ بأن الساعة لاتقوم حتى يكثر الهرج والمرج، وهذا تنبؤ عظيم أخبر عنه الصادق الذى لاينطق عن الهوى، فقد ذكر أنه
فى آخر الزمان يكثر الهرج والمرج، ولما سئل النبى ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن ذلك، فقيل له ما الهرج؟ قال : “كثرة القتل”.
والمرج: هو كثرة الفتن والضلال، وظهور أمور تلبس على الناس دينهم، قال تعالى: “فهم فى أمر مريج” أى: فى ضلال،
فيكثر الضلال وتكثر الفتن فى آخر الزمان، وهذا معنى المرج.
الهرج والمرج هما كثرة القتل وظهور الضلال والتخبط في الدين وانتشار الفتن
وباختصار: الهرج والمرج هما كثرة القتل وظهور الضلال والتخبط في الدين وانتشار الفتن.. فما هذا المجتمع الذى كثر فيه الهرج
والمرج والتخبط واعوجاج النفس وعدم استقامتها، والانحراف عن منهج الله عز وجل، ومخالفة الفطرة السوية لعالم البشر،
إن أعظم جريمة وأبشع ذنب فى عالم الإنسان كان القتل وسفك الدماء حينما كان ذلك بين قابيل وهابيل.
ومع وجود مثل هذه النماذج المتدنية وغير السوية واللا أخلاقية فى زماننا هذا وفى كل الأزمنة نقول: إن الخير فى الأمة
إلى قيام الساعة، وأن الله عز وجل ينصر هذه الأمة ويحفظها بضعفائها: “إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم”، وفى رواية:
“إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها؛ بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم”. ومعنى: “إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم”؛ أى:
إنما تمكَّنون من الانتفاع بما أخرجنا لكم، وتُعانون على عدوكم، ويُدفع عنكم البلاء والأذى؛ بسبب وجود ضعفائكم بين أظْهُركم،
أو بسبب رعايتكم لهم، أو ببركة دعائهم وصلاتهم وإخلاصهم فى العبادة، فالصالحون لايزالون فى الأمة، والأخيار لايزالون بيننا.
نسأل الله عز وجل العفو والعافية، وأن يرفع عنا البلاء والوباء، وأن يحفظنا من الفتن والآثام.. يارب آمين.