سليدرمع الآياتنشر حديثاً

سمعنا وأطعنا .. “مع الآيات ـ حلقة 58 ”

حلقات يكتبها: أ. د. عبد الشافى الشيخ

أ.د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة 58 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآيتين 92 و93 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:

“وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ *

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا

وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”.

في هاتين الآيتين الكريمتين يمتنّ اللهُ على بني إسرائيل بما أنزله عليهم من منهجٍ

يقتضي أن يشكروا الله لا أن يُجابِهوه ويعاندوه، لو أنّهم فهموا مرادَ الله على حقيقته لخرّوا لله سجّدا على أن اصطفاهم

بأن أنزل عليهم المنهج الذي يناط به سعادتُهم في الدنيا والاخرة، كان الأليقُ بهم أن يطبّقوا المنهجَ بل ينشروه

حتى يكونوا قادةً في الهُدى، ورأسًا في الدعوة إلى الله، بدلا من أن يكونوا رأسًا في الشر والعناد.

جاءتهم البيناتُ فبدلا من أن يشكروا الله ويجتهدوا في توصيله للناس، بدلا من ذلك اتخذوا العجل معبودا من دون الله،

وهم ظالمون لأنفسهم وعقولِهم وحياتِهم، إذ كيف يتخذوا عجلا لا ينفع ولا يضر إلها من دون الله.

إنها الجهالةُ الجهلاء، تخيّم على العقل فتستره، وتكسوا القلبَ بالرّان فلا يكاد يبصر للحق طريقا، يعجب الإنسانُ أحيانًا من تأثير الفكر الضال على شبابنا وكيف يؤدي بهم إلى المهالك، وكيف أن شياطين الإنس يزيّنون لهم الموت والدّمار على أنه السبيل لدخول الجنة ونيل رضا الله.

وإن تعجب من هذا المشهد، فالعجب كل العجب ممن غاب عقلهم، وانطمست هويتهم، وفقدوا أدنى درجات التفكير السليم بعبادتهم عجلا من دون الله. فالفكر الضال كله قد غاب عقله.

ثم تشير الآية الكريمة إلى أن الله تعالى أخذ من بني إسرائيل وعودا كثيرا على ألا يعبدوا إلا الله ولم يلتزموا بأي من هذه العهود والوعود.

ومارس معهم أساليب الدعوة بين الترغيب تارة والترهيب تارةً أخرى، فتارة يُغدق عليهم من النعم، وتارة يرفع عليهم جبلَ الطور مهددا بالسقوط عليهم رجاء أن يعودوا إلى رشدهم وصوابهم، ولكن ختم الله على قلوبهم.

كان الأجدر أن يأخذوا ما آتاهم الله بقوة، أي قوةُ العمل والتطبيق، وليس مجرد التناول، بل هذ الأخذ يقتضي تطبيقا وعملا بما جاء به الشرع، لكنهم عاندوا وتبجحوا فقالوا: “سمعنا وعصينا” إن هذا التبجح لا يصدر إلا من قلب غافل، لا يعي ما يقول، ولا يدرك من يعاند ومن يعصي.

وزادهم الله تعالى ضلالا على ضلالهم فأُشربوا حبَّ العجلِ بسبب كفرِهم، فأصبحوا منغمسين في الضلالة، لا يكادون يستفيقون منها.

ثم يتهكّم عليهم القرآنُ الكريم ليبيّن قبيحَ صنيعِهم، فيقول:” قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”، فلا هم مؤمنون، ولم يأمرهم إيمانُهم بشيء من هذه الضلالات ولكن سوّلت لهم أنفسُهم أمْرا.

ليكن شعارُك -أيها القارئُ الكريم- أن تقابلَ جميعَ ما أنزله اللهُ عليه وجميعَ ما خاطبك الله به أن تقولَ:” سمعنا وأطعنا” لا أن يكون حالُك وفعلُك ” سمعنا وعصينا”، اللهم اجعلنا لك من الطائعين المحبين لطاعتك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى