
فى الحلقة 23 من سلسلة حلقات “مع الأيات” نتناول ثلاث آيات من سورة البقرة تحت عنوان: “شرف العلم”.
يقول الله تعالى: “وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)”.
أقول وبالله التوفيق:
منذ سنوات مضت شرفت بحضور مؤتمر بدولة عربية شقيقة، حضره نخبة من العلماء والمثقفين وأهل السياسة والاقتصاد،
وجاء الدور على كلمة الاقتصاد، فقام ” BILL Gates – بيل جيتس”
وقال كلمة اهتزت لها أركان القاعة، قرر من خلالها أن الاستثمار الحقيقي في العلم والتعليم،
فهو مفتاح كل خير، فلا شرف ولا تقدم لأمة دون علم.
شرّف الله آدمَ على سائر خلقه بالعلم
وهذه الآية جاءت بهذه الحقيقة وقررتها منذ بدء الخليقة، في إشارات سريعة لا تخفى على ذي لُبّ،
فقد شرّف الله آدمَ على سائر خلقه بالعلم، ولما أذن بأن يميّزه على ملائكته ميّزه بالعلم،
وبعد أن علّم آدم أسماء الأشياء كلها دقّها وجلّها، ما وجد منها وما لم يوجد – فلا حرج على فضل الله وقدرته-
وساعتها جاء وقت التميز والأفضلية، فقد فضّل الله آدم هنا بالعلم ولا شيء سوى العلم،
وكأنها رسالة مغلّفة لبني آدم أنه لا رفعة ولا شرف يعلو على شرف العلم،
وأنه إذا أردتم التميّز فعليكم بالعلم، ولم يخصّ اللهُ تعالى هنا علْما دون علم،
فكل علمٍ نافع للبشرية مأمورٌ به من الله، وكل ما تحتاجه البشرية واجبٌ تعلمه.
الحذر كل الحذر من الاغترار بالعلم
والرسالة الثانية في هذه الآيات المباركات: هي عدم الاغترار بالعلم، مهما وصل الإنسان إلى درجات العلم،
فلابد وأن يرجع العلم كله لله، وهكذا الدول مهما بلغ شأوها في العلم والتقدم لابد وأن تكون على حذر من الاغترار بالعلم،
وقد رأينا أنه بين الحين والحين يقهر الله تعالى علومَ الدول المتقدمة بما يُلقمُهم حجرا في أفواههم،
وتبقى قيوميةُ الله تعالى على خلقه، وما “فيروس كورونا” منا ببعيد، على ضآلته إلا أنه أخرس تكنولوجيا العالم بأسره.
وهذا سيدنا موسى عليه السلام، لما قال لمن سأله عن أعلم أهل الأرض: ” أنا أعلم أهل الأرض”
فعاتبه الله تعالى، ولقنه درسا لا ينساه، فأنزل موسى عليه السلام من مقام النبوة إلى مقام التلمذة وطلب العلم على يد عبدٍ من عباد الله آتاه الله العلمَ اللدني، فاتّبعه موسى طالباً لبعض علمه.
وهنا في هذه الآية: فهم الملائكة مبكرا أن العلم كله لله، فقالوا: “سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم”.
يقرر الله تعالى قيوميته وشموليته لكل شيء بعلمه
وفي المشهد الثالث من الآيات يقرر الله تعالى قيوميته وشموليته لكل شيء بعلمه، بناء على هذا التحدي الواضح،
فقال تعالى: “قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ”
فالعلم كلّه لله، سبحانه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وهو بكل شيء عليم.
أ. د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
فى التفسير وعلوم القرآن الكريم
يجامعة الأزهر الشريف