مع الآياتنشر حديثاً

ضرب المثل.. “مع الآيات ـ حلقة 20″

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة العشرين من الحلقات المسلسلة “مع الآيات”، نعيش مع آيتين فى كتاب الله من سورة البقرة، تحت عنوان: “ضرب المثل”.

يقول الله تعالى:

“إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)”.

كلما قرأت هذه الآية السادسة والعشرين من سورة البقرة وأمثالها في القرآن الكريم، ازددت يقينا بمحبة الله لخلقه،

ومن صور محبته أن يبين لهم ويوضح لهم ويشرح لهم ويستقطبهم،

وهو في كل الحالات غنيٌّ عنهم، لا تنفعُه طاعةُ من أطاع ولا تضرُّه معصيةُ من عصى،

ألم يتدبر العبدُ لماذا يضرب اللهُ المثل؟ ولماذا يقرّب لنا المفاهيم؟ ولماذا يدعونا بكل الصور والوسائل إلى دينه،

وهو غير مستفيد أصلا من عبادة العباد.

إنها المحبة والشفقة والحنو من الله على عباده، فلو لم يحبنا لما أرسل إلينا، ولما أوضح لنا، ولما فصّل وبيّن.

المؤمن الحق يستقي أسلوبَ حياتِه وتفكيرِه من القرآن الكريم

الله تعالى يعلّمُنا ألا تكون أحكامُنا وأفعالُنا ردودَ أفعال للخصم، فإذا اعترض على قولٍ تركناه، أو لم يعجبه عملٌ أنكرناه.

المؤمن الحق يستقي أسلوبَ حياتِه وتفكيرِه من القرآن الكريم، وكان من المنتظر من القرآن الكريم بعد أن تهكّم البعضُ على ضرب المثل في القرآن بالذباب والبعوض وغيرها من المحقرات، أن يعرض القرآن عن ضرب المثل بهذه المحقرات، إرضاءً لهم واستمالةً لقلوبهم.

الأمرُ لا يقاس بهذا الشكل عند القرآن الكريم، فهو ليس معنيا بهذه النظرة السطحية، فيقرر أن الله لا ولن يكف عن ضرب المثل بما يراه هو، لا بما يملُونه على الله.

من أخص خصائص المسلم.. التسليم الخالص لله تعالى

لأن القضيةَ قضيةُ إيمان، فالمؤمن لا يجادل ولا يتهكم على أوامر الله، فمن أخص خصائص المسلم، هو التسليم الخالص لله تعالى، وكثيرا ما يثني القرآن الكريم على قضية التسليم والإذعان بكل ما جاء به الله تعالى.

فالمؤمن دائما يعلم أنه الحق من الله، والذين يجادلون ويتجرأون على الله لا يعجبهم حتى لو تغير المثل، فهو يجادل من أجل المجادلة، ويختلف من أجل الخلاف، وهؤلاء ليسوا بعيدين عن مجالات حياتنا اليومية، نراهم ونخالطهم صباح مساء.

وقد يكون ضرب المثل بالمحقرات اختبارًا من الله تعالى يقاس به درجة استسلام العبد لأوامر الله تعالى، ينجح فيه من ينجح ويرسب فيه من يرسب، ولا يضل به إلا الفاسقين.

ويأتي التوضيح ما المراد بالفاسقين؟ وهم الذين ينقضون عهدهم مع الله الذي أخذه عليهم وهم في عالم الذّر في ظهر سيدنا آدم عليه السلام، أو العهد الذي تُقرُّه سورةُ الفاتحة” إياك نعبد وإياك نستعين” فلا نعبد إلا أنت ولا نستعين إلا بك، ثم ما يلبث أن يعصي الله ويخشى غير الله.

ومن صفاتهم أيضا أنهم يقطعون ما أمر الله به أن يوصل من صلة الأرحام مثلا، وفوق كل هذا يفسدون في الأرض، فلم يفهموا حقيقة خلقهم، ولذلك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.

أ. د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
فى التفسير وعلوم القرآن الكريم
يجامعة الأزهر الشريف

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى