سليدر

فاقد الشيء لا يعطيه .. “مع الآيات ـ حلقة 30″

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة الثلاثين من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآية  44 من سورة البقرة.

يقول الله تعالى: “أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ”.

مقولة تلوكها ألسنة العوام قبل الخواص: “فاقد الشيء لا يعطيه”، ولما كان القرآن الكريم كتابَ تربية وإعداد للفرد والمجتمع بالدرجة الأولى،

وجدناه سباقا لكل خير، يشير إلى قواعد وأسس لو استقام عليها الناسُ لسعدوا في الدنيا والآخرة،

هذه القواعد تكون أحيانا بمثابة دورات تدريبية في التنمية البشرية أو تأهيلية للفرد والمجتمع، وهذه وظيفة القرآن الكريم، بل الشرع الحنيف.

 القرآن الكريم فضح بنى إسرائيل وأمثالهم

فقد عاب القرآن الكريم على بني إسرائيل وعلمائهم الذين كانوا يعظون الناس بما لم يتعظوا به، يأمرون بالبر

وهم أبعد الناس عن البر، وينهون عن المعصية والرذيلة وهم متلبسين بها، ففضحهم القرآن الكريم وأمثالَهم

الذين يُزيفون على الناس الحقائق، فيظهرون بمظهر يخالف جوهرهم، فيفتنون الناس في دينهم، يأمرون الناسَ ولا يأتمرون،

وينهون الناسَ ولا ينتهون، معتقدين أنهم بهذا يخدعون الناس أو يخدعون الله، وحاشا لله أن يخدعه أحد من خلقه،

وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، وقد ساهمت السنةُ النبوية المطهرة في تبشيع هذا المشهد،

فأخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن العالِم الذي لا يعمل بعلمه ولا يبتغي به وجهَ الله، والمجاهدَ الذي راءى بجهاده،

وقارئ القرآن  الذي خدع الناس بقراءته ليستأكل أموالهم أو ليقال عنه أن صوته جميل وغيرهم ممن تنطبق عليهم

أحكام هذه الآية، هم من أوائل من تسعّر عليهم النار يوم القيامة، تبشيعا وتجريما لهذا الفعل، فهو النفاق بعينه

بل هو الإجرام بعينه، إجرام في حق الإنسانية، ففاعل هذا الفعل يفتن الناسَ في دينهم وفي علاقتهم بربهم.

النبى كان أسبق الناس إلى الله

إن الدين الإسلامي يحتاج إلى الدعاة المخلصين، الذين تتطابق سريرتهم مع علانيتهم، الذين يشاركون الناس الأوامر

والنواهي، بل يسبقونهم – كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم – فكان أسبق الناس إلى الله وأبعدهم عن نواهيه.

إن من شؤم هذا الفعل أن يدعو الرجل غيرَه وينسى نفسَه، تماما كإبليس الذي ورد أنه كان ينصح الملائكة ويقوم فيهم

خطيبا، ونسي نفسه فذلّت قدمُه في المعصية، فسخط الله عليه.

الإسلام يحتاج إلى من يتحمل أمانة الدعوة إلى الله على أنها مسؤلية عظيمة وثَغر مفتوح يخشى على الإسلام منه، فيا أيها الدعاة، ويا أيها العلماء: لا تفتنوا الناس في دينهم، ولا تخالفوا بين سرّكم وعلانيتكم، إذا أمرتم الناسَ بأمر كونوا أول من يطيع، وإذا نهيتموهم عن شيء فكونوا أول المنتهين، بهذا فقط يصلح الله أحوالنا، فأنتم “ملح البلد”- كما يقال- فمن يصلح الملحُ إذا الملح فسد.

لقد شنّ القرآنُ حربًا شعواءَ وتبعته السنةُ النبوية على هذا النموذج الدعوي السيء محذّرا من الوقوع في شَرَكِه، وقد قبّحَ القرآنُ فعلَهم بما أوتوه من علم بالكتاب، فاحذر أن يكون علمُك شاهدا عليك يوم القيامة، وحجة عليك لا حجة لك، فهي أمانة والله لو تعلمون عظيمة.

أ. د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
فى التفسير وعلوم القرآن الكريم
يجامعة الأزهر الشريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى