فنّ مقابلة النعم .. “مع الآيات ـ حلقة 44”
حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

فى الحلقة 44 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآيتين 63 و64 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:
“وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
* ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ”
إن نعم الله تعالى تتنزل تترى على عباده ولا ينقطع رافدها، أسبغ عليهم نعمه ظاهرة
وباطنة، والأهم من إسباغ النعم هو الوفاء بحقَها بالشكر، وتقييدُها لدى العبد بالعرفان لله
والشكر له، فقد تكون نعمة الله تعالى على العبد عظيمة، لكنَّ العبدَ يعجر عن تأدية شكرها
والعملِ بحقها، فيرفعها الله تعالى حال الإنعام بها عليه، ساعتئذ يعلم العبد أنه خسر خسارة كبيرة فيندم ولات حين ندم.
وإن بني إسرائيل كانوا نموذجا سيئا لمقابلة النعم، فكم من نعمة أنعم الله بها عليهم، فلم يؤدوا حقها، ولم يقدروا نعمة الله
تعالى عليهم، ولم يقيدوها بالحمد ولا بالشكر، ولكن فرحوا بها من حيث هي، ولم ينظروا في باطنها أي من حيث أن
المنعم بها عليهم وهو الله تعالى.
والناس أمام نعم الله تعالى على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يفرح بالنعمة من حيث هي لا من حيث المنعم فيتلذذون بظاهرها فقط وهم المخاطبون بقوله تعالى:
“حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ”.
القسم الثاني: يفرح بالنعمة ظاهرا لكنه يعتقد بأن سببها وموجدها هو الله تعالى فيفرح ثانية بالمنعم فيجمع الله له بين
الفرحتين الظاهرة والباطنة وهم المخاطبون بقوله تعالى: “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ”
القسم الثالث: لا يبالي بالنعم سواء بالعطاء أم بالسلب منه لأنه يعيش فقط مع الله تعالى وبالله لا يرى الخلق بل يعامل الحق
وهم المخاطبون بقوله تعالى: “قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ”
بنوا إسرائيل نموذج لجحد النعمة ونكرانها
فكان بنوا إسرائيل نموذجا لجحد النعمة ونكرانها، فقد أنعم الله عليهم بنعمه ليؤمنوا لا ليتجبروا، فلم يفهموا رسالة الله تعالى
لهم، أخذ الله عليهم الميثاق أن يؤمنوا برسالة الله لهم، وأمرهم الله تعالى أن يأخذوا ما جاء فيها أخذ تطبيق وممارسة وليس
مجرد التناول، ففيه الخير الكثير والثواب العظيم لمن تمسك بأوامر الله تعالى وأخذها مأخذ الجد والقوة.
لكنهم – كعادتهم – بدّلوا نعمة لله كفرا، وتولّوا ونكثوا العهود والأيمان مع الله تعالى، وزهدوا في رسالة الله وتعاليمه، ولكن الله
تعالى وهو الخالق الرؤوف الرحيم بهم، تلاحقهم نعم الله لآخر الطريق، فيقول ولولا فضل الله عليكم، يااااااا الله.. يااااله من إله
حليم يصبر على أذى خلقه وجهلهم بقدره، لو شاء الله لأخذهم أخذ عزيز مقتدر وهم على هذه الحالة من العتو والتجبر
والغرور، لكن الله تعالى يمهلهم ويعطيهم الفرصة تلو الأخرى رجاء أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا إليه، وإلا لجعلهم خاسرين
إلى الأبد، وساعتئذ لن تنفعهم شفاعة الشافعين، ولن ينفعهم تجبرهم وعنادهم.
ورسالتنا لأصحاب النعم أن يقيدوها بالشكر والعرفان بفضل الله عليهم وأن يؤدوا حقها لله.
ورسالتنا لأهل المعصية ألا يغرنهم حلم الله عليهم وصبره على معصيتهم، توبوا إلى الله وارجعوا إليه، فأبوابه دائما مفتوحة
أمام التائبين وهو الذي يقبل التوبة عن عباده.