سليدرمع الآياتنشر حديثاً

قسوة القلب من أنكد الطباع “مع الآيات ـ حلقة 48”

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة 48 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآية 74 من سورة البقرة، يقول الله تعالى: “ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ”.

الْقَسْوَةُ: الصَّلَابَةُ وَالشِّدَّةُ وَالْيُبْسُ، وقسوة القلب هى عِبَارَةٌ عَنْ خُلُوِّهَا مِنَ الْإِنَابَةِ وَالْإِذْعَانِ لِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. والْمُرَادُ قُلُوبُ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ قُلُوبُ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ، لِأَنَّهُمْ حِينَ حَيِيَ وَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَعَادَ إِلَى مَوْتِهِ أَنْكَرُوا قَتْلَهُ، وَقَالُوا: كَذَبَ، بَعْدَ مَا رَأَوْا هَذِهِ الْآيَةَ الْعُظْمَى، فَلَمْ يَكُونُوا قَطُّ أَعْمَى قُلُوبًا، وَلَا أَشَدَّ تَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِمْ مِنْهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ.

وإن قسوة القلب من أنكر العقوبات أن يقسي الله قلبك فيصير كالحجر بل أشد، وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من قساوة القلوب مخبرا بأن أبعد الناس عن الله تعالى هم قساة القلب، الذين خلى قلبهم من اللين والرأفة، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي” فهي والله عطية من الله، ولعل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم للأقرع بن حابس عندما رأى النبيَّ يقبل الحسنَ والحسين فقال الأقرع: يا رسول الله والله إن لي عشرةً من الولد ما قبّلت أحدَهم. فقال له النبي صلى الله علسه وسلم: وماذا أفعل لك وقد نزع الله الرحمة من قلبك.

إذن فالرحمة واللين في القلب جزء منه كبير هبة من الله تعالى، وخلو القلب من اللين من أكبر المصائب، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على زيارة القبور فإنها ترقق القلوب وتزيل عنها الران والصدأ.

وقد امتن الله تعالى على نبيه بالقلب اللين، وأخبره بأنه لو خلى منها قلبُه لانفض الناس من حوله:” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك”

إنها الرحمة واللين التي ينبغي على كل مسلم أن يطلبها من الله تعالى لئلا يحشر مع القاسية قلوبهم، فلا ينظر إليهم الله ولا يكلمهم ولهم عذاب شديد.

وجيء (بثم) التي هي للترتيب والتراخي. لاستبعاد استيلاء الغلظة والقسوة على قلوبهم بعد أن رأوا الكثير من المعجزات، فكأنه- سبحانه- يقول لهم- بعد أن ساق لهم قصة البقرة وما ترتب عليها من منافع وعبر: ومع ذلك كله لم تلن قلوبكم- يا بنى إسرائيل- ولم تفدكم المعجزات: فقست قلوبكم وكان من المستبعد أن تقسوا.

وقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فيه زيادة تعجيب من إحاطة القساوة بقلوبهم، بعد توالى النعم، وتكاثر المعجزات التي أشار القرآن الكريم إلى بعضها في الآيات السابقة.

وقوله تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ بيان لفضل الحجارة على قلوبهم القاسية، قصد به إظهار زيادة قسوة قلوبهم عن الحجارة، لأن هذا الأمر لغرابته يحتاج إلى بيان سببه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى