رائعة الجمال.. حطمها الشذوذ !!
بقلم: د. شوقى السيد
وأنا عائد من سفري البعيد.. ساعات طوال من الطيران المستمر .. كانت تجلس الي جواري ..حورية من حور الجنة..
سيدة رائعة الجمال.. جميلة الثياب .. طيبة الرائحة .. رقيقة السلوك.. مرهفة الحس.. رفيعة الأدب والاحترام .. خضراء العينين
كأجمل نسخة أبدعها الإله .. لا يمكنك أن تنظر إلي عينيها.. إلا أقل من الثانية، وإلا فقدت الوعي والوجود ..
وسبحت في عالم آخر .. من الشرود .. تسلبك “أفروديت” ذاتك .. في رحلة لانهائية من عبودية إلهة الجمال والخلود.
عدت لتوي من أفكاري هذه، بعدما كانت تستميحني عذرا .. كي تدلف إلي مقعدها جواري .. ويا لصوتها الساحر.. الفاتن
الخلاب.. دون أن أدري أفسحت لها طريقا الي مقعدها بجواري، واستبشرت خيرا .. فالمسافر في رحلات طويلة
يظل في انتظار من يجاوره .. تماما كما ننتظر علي شغف استطلاع دار الإفتاء لهلال رمضان .. فرفيق السفر هذا ..
سيحدد طعم ورائحة هذه السفرة الطويلة..
مقعدنا.. محط أنظار كل من في الطائرة
وهذة الملكة الجميلة .. كانت تصطحب أميرة صغيرة لم تتعد العامين.. ولاتقل جمالا عن أمها.
وجلسنا في صمت جميل ورائحة عطرة لمدة ساعة من هذا السفر الطويل .
ومقعدنا.. محط أنظار كل من في الطائرة .. وكعبة الغادي والرائح .. من مضيفي الطائرة .. بل إن كابتن الطائرة أتي بنفسه
ليقدم لنا مشروبا خاصا .. آه يابن الإيه. اكثر من ثلاثين عاما .. أركب طائرات .. لم أر هذا الكابتن، ولم يقدموا لي حتي كوب ماء هديه.!!!
ورايت أفروديت .. وهي تحكم وتتحكم .. في قلوب البشر، وبلباقة شديدة.. وحتي تتخلص مليكتنا من هذا الرذل ..
الذي كاد أن يجلس علي (حجري) من كثرة لهفته، للتطلع لهذا الجمال الفريد .. إذا بها تقول له: ألا تذهب إلي عملك
في قيادة الطائرة.. خشية أن يقع مالا يحمد عقباه .. وفعلا أحس صاحبنا بالصفعة التي نزلت علي قفاه، واستدار وعاد أدراجه،
وحمدت الله بعد أن كدت أكفر بهذا الجمال وأبرح مقعدي الذي يؤلب علي كل سكان هذه الطائرة في سفرها الطويل ..
وقلت أتناسي أفروديت هذه. بل وفينوس وكل الأقارب هؤلاء وأخلد إلي النوم.. متجاهلا هدة النظرات التي تحسدني علي قربي من ربة الجمال تلك..
وجدت قبلة علي وجنتي من الماكرة الصغيرة
ولكن عبثا حاولت إذ ماكدت أقنع نفسي أن أستعين بالنوم لمقاومة هذه الساحرة.. إذ وجدت قبلة علي وجنتي من الماكرة الصغيرة.. وبدأت تعبث في صفاتي التشريحية.. من أنف وأذن وحنجرة.. ولم أمتلك إزاء كتلة البراءة والجمال هدة،
إلا أن أداعبها بهدوء.. وفجأة نامت علي صدري.. في سلام عميق لا يوصف.. وإذا بأمها تنفجر باكية .. بأن ابنتها هذه
لا تألف أخدا علي الإطلاق، ولاتكاد تنام ودائمة الصراخ.. وأنها أول مرة تري هذا.. فقلت لها: لا تعجبي سيدتي فأنا “أبو البنات”
ولابد أن هناك شيئا ما يجذبهم إلي ويجذبني اليهم.. ولعلها افتقدت أباها هذه السويعات .. فتلمسته في أقرب رجل
إلي جوارها..
لم تكن زوجة بمعني الكلمة
وهنا كانت الكارثة، إذ أجهشت بالبكاء الشديد.. وأفصحت عن مأساة بكل معني الكلمة..
إذ أن هذه السيدة.. مطلقة منذ عدة ساعات فقط.. وأن زوجها من أثرياء الشرق والغرب أيضا.. كان قد اشتراها من أهلها..
فعلا اشتراها بمعني الكلمة.. وأغدق عليها وعليهم بوافر مظاهر الثراء الفاحش .. مما أعمي أعينهم عن كل شئ،
وكانت تتنقل بين قصوره في أوروبا وأمريكا والشرق.. ولكن لم تكن زوجة بمعني الكلمة بل كانت تخدم شذوذة..
ويالهول ماسمعت .. ويكفي أن تعرف أنها قاطعت أهلها تماما لأنها استجدتهم أن ينقذوها من هذا الحيوان الشاذ..
ولكنهم وأمام مايرفلون فيه من نعيم صموا آذانهم تجاهها.. بل قاطعوها استجابة لضغوطه.
وبقي أن نعرف أنها لاتدري من فرط شذوذه وإجبارها علي كل رذيلة.. أنها لاتعرف حقيقة لمن هذه الابنة!!!!
وأنها استعانت بخادمة مخلصة كي تهرب من أحد قصوره الفارهة في عاصمة غربية عتيده.. لأنه بالرغم من طلاقها
يتحفظ عليها.!!!؟؟ بل الأدهي أنها استعانت بزوج الخادمة.. ليناوله الخمر.. حتي يظل في غيبوبة كافية.. حتي تهرب
خارج البلاد عائدة إلي لا بيت، ولا أهل ولا شئ .. فقط معها إيمانها بربها أن تبدأ من جديد .. بعيدا عن كل شئ..
أحسست بحزن شديد لهذا الجمال الأسطوري، وهذه المأساة الإغريقية .. التراجيدية.. إنها تذكرني بروايات الميلو دراما شديدة الحزن والسواد..
هل حقا الأهل يبيعون فلذات أكبادهم هكذ؟..
ومن قال إن الابنه إذا تزوجت انقطعت مسؤولية أهلها عنها.. من قال هذا!!!؟؟
ومن قال بالنصيحة في معصية الخالق بل الخروج عن كل مألوف ومعروف.. فقط لمجرد استمرار رنين الذهب..
هل حقا لا يوجد سحر في هذا الوجود .. أكثر شرا من سحر الذهب؟..
وهل فعلا لم تبل البشرية بشر أكبر ولا أشد من شر الذهب!!؟؟
ظللتمعها وابنتها.. حتي وضعتهما في سيارة انطلقت بهما إلي المجهول، وأمل.. ورجاء.. وتوسل..
أن يظل هاتفي مفتوحا لها.
وانفجروا جميعا في ضحكات هستيرية
رمقتني عين كابتن الطائرة.. وبعضا من أهلنا الكرام .. بحسد مرير ومثير من الغيظ المكتوم: (..أيوا ياسيدي.. ماهي الشهامة والمروءة دي بس مع الحلوين).. وانفجروا جميعا في ضحكات هستيرية .. وأنا شارد فعلا.. أن المأساة تكمن
في ضياع الشهامة والمروءة والرجوله.. فعلا.. لقد أعطوني الحل لمعظم مآسينا.. أن هذا العالم يفتقد
لأهم ماكان يسود عوالم من سبقونا.. إنها الشهامة .. والمروءة.. والرجولة والكرامة.. إنه الخوف من الفقر أو ضياع المناصب.
والمادية البذيئة هي التي تصنع إنسان هذا العصر.. ثم تصرعه..
أطلت هذه المرة في مغامرة بالطائرة..
ولكن أرجو أن ندق ناقوسا بأن الماضي الجميل، الذي نتحسر عليه.. كان جميلا.. فقط بالشهامة، والمروءة، والكرامة،
والرجولة.. والفقر لايتسلل أبدا إلي مجتمع الحب.. ولكنه يسكن ويبيت في مجتمع القوة والقهر، ولن يفلت أحد منه..
مهما ظن أنه قوي.