سليدرمع الآياتنشر حديثاً

لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. “مع الآيات ـ حلقة 27″

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة السابعة والعشرين من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآية الثامنة والثلاثين من سورة البقرة.

يقول الله تعالى: “قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”.

رأى بعض المفسرين أن الهبوط المذكور هنا هبوطٌ معنوي، أي هبوطُ مكانةٍ ومقامٍ من حسابات الله تعالى،

وإن العبد قد يرتقي في مكانته عند الله وما يلبث حتى يأتي بفعل مما حرمه الله

فتنزل مكانتُه وتتبدل حالتُه مع الله تعالى.

بينما ذهب البعضُ الآخر إلى أن الهبوطَ هنا هبوط حسي، وهم من يرون أن الجنة التي كان بها آدم عليه السلام

وحدث فيها ما حدث هي جنة الخلد على الحقيقة ومكانها في السماء، ومن هنا كان الهبوط حسيا،

وأيا ما كان فقد قضى الله تعالى أن يتعايش الجميع ويبتلي الله بعضهم ببعض حتى يأتي وعد الله فيحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون.

لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

وهذا البيان الإلهي هو سنّةٌ من سنن الله تعالى الإلهية التي قضى بها على خلقه وعباده، أن اهبطوا منها جميعا،

وساعة أن يأتيكم المنهج من الله والتكليف بما فيه، فمن اتبع منهج الله، وسار على وفق مراد الله تعالى منه،

فهؤلاء يضمن الله لهم يوم القيامة أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وأول ما يطالعنا في هذه الآية هو قاعدة: “لا تجريم إلا بنص” فقبل أن يأخذَ اللهُ عبادَه أخذَ بغتةٍ فهو يحذرهم وينذرُهم، وهو منهج قانوني أقرّه النظامَ العالمي الحديث، لكن القرآنَ الكريم سبقهم إليه منذ نزوله.

والبلاغة القرآنية في الشطر الثاني من الآية يعجز القلم عن وصفها حلاوةً وطلاوةً ورقيًا في الأسلوب والتعبير منقطع النظير،

فالخوف والحزن كلاهما انكسار يعتري النفس البشرية إلا أن الخوف يتعلق بالمستقبل والحزن يتعلق بالماضي،

وفي الجنة يضمن الله لعباده الصالحين أنهم لا يخافون على مستقبلهم فنعيم الجنة نعيم لا ينقطع خالدين فيه أبدا،

كما يضمن لهم عدم الحزن على ما فاتهم من ملذات الدنيا، فقد عوّضهم الله تعالى بها الجنة ونعيمها السرمدي.

وعبر القرآن بقوله: “لا خوف” ولم يقل “لا يخافون” لأنهم بالفعل يخافون من ربهم بل من أخصّ صفاتِهم الخوفُ من الله تعالى

فمهما أتوا من أعمال صالحات إلا أن قلوبهم وجلة، فالآية لا تنفي وجود أسباب الخوف إنما تنفي وجود الخوف منهم

على جهة التحديد، لأن الله تعالى أمّنهم في الآخرة جزاء خوفهم من الله في الدنيا: “إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا”.

وقال تعالى: “ولا هم يحزنون” ولم يقل: لا حزن، والمعنى: نفي الحزن منهم، وليس نفي الحزن عليهم، ومعلوم أن الطائعين تحزن عليهم السماوات والأراضين: “فما بكت عليهم السماء…”

وأتى بضمير الفصل: “هم” لينفي الحزن عنهم في حال أنه بهذا الضمير يثبت الحزن لغيرهم.

وعبّر القرآن بالرفع: ” لا خوفٌ” ليفيد معنيين، الأول: كون حرف الجر متعلقا بالخوف فيكون مبتدأ ويقدر له الخبر: “لا خوف موجود”، والثاني: أن يفيد الطلب أي عليك ألا تخاف، ولو اكتفى بالنصب لما احتمل إلا معنى واحدا هو الخبرية وحسب، فسبحان من هذا كلامه.

أ. د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
فى التفسير وعلوم القرآن الكريم
يجامعة الأزهر الشريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى