أحداث مهمةنشر حديثاً

ماجد فهيم يكتب: كواليس ثورة يوليو 1952 ومقدماتها التاريخية “2/2”

بقلم : ماجد فهيم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عرضنا فى الحلقة السابقة للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى كانت تعيشها مصر

فى النصف الأول من القرن العشرين، من صراع شرس على السلطة واحتكار طبقة الباشوات والبكوات لثروات مصر

ومعهم زمرة من الأجانب والأتراك، فضلا عن الفساد السياسى والصراع على السلطة ونكبة فلسطين ومذبحة الإسماعيلية ..

ثم حريق القاهرة حتى صارت الأمور كلها تصب فى اتجاه واحد ألا وهو التغيير

حتى تعود مصر بثرواتها وخيراتها إلى الشعب المصرى المطحون الذى عانى لقرون من الفقر،

وسيطر عليه الجهل ونهشته الأإمراض والأوبئة، ونظرا لهذه الأمور التى عانى منها الشعب المصرى ولم تحرك ساكنا لدى

رجال السياسة والحكم الذين انشغلوا بالصراع على السلطة،

تشكيل تنظيم الضباط الأحرار بقيادة البكباشى جمال عبدالناصر

الرئيس جمال عبد الناصل
الرئيس جمال عبد الناصر

فى الوقت نفسه شعر بمعاناة الشعب ضباط الجيش من أبناء الطبقة

الوسطى، الذين قاموا بتشكيل تنظيم الضباط الأحرار بقيادة البكباشى جمال عبدالناصر،

عبد الحكيم عامر
عبد الحكيم عامر

وكان أول من انضم إليه الصاغ عبدالحكيم عامر حتى وصل العدد إلى 99 ضابطا كانوا يجتمعون فى سرية لاستقطاب أكبر عدد من ضباط الجيش المصرى الذين بلغ عددهم فى ذلك الوقت 5 ألاف ضابط

بدأ التنظيم نشاطه بعد إعلان تأسيسه عام 1949م، ولأن أعضاء التنظيم من الضباط الشبان مواليد مابين عامى 1918 و 1922م عدا يوسف منصور الذى كان من مواليد 1912م .

ورغم ذلك كان لابد من وجود شخصية ورمز لقيادة هذا التنظيم

ومن هنا وقع الأختيار على اللواء محمد نجيب رئيس نادى الضباط والرجل العسكرى المشهود له بالكفاءة والانضباط..

حيث التف حوله ضباط الجيش فى انتخابات النادى ضد مرشح الملك حسين سرى عامر،

كما شارك فى حرب فلسطين وجرح ثلاث مرات وشغل منصب مدير سلاح المشاة

ومدير سلاح الحدود ثم قائد اللواء الثانى واللواء الرابع.

القائد الحقيقى والعقل المدبر

ورغم وجود نجيب على رأس التنظيم الا أن القائد الحقيقى والعقل المدبر والقلب النابض للتنظيم،

كان البكباشى جمال عبدالناصر .. مؤسس التنظيم، ذلك الشاب الوطنى،

المولود فى 15 يناير عام 1918م بحى باكوس برمل الأسكندرية، لأب ينتمى لإحدى قبائل الجزيرة العربية

التى استوطنت صعيد مصر حيث كان يعيش جده حسين فى قرية بنى مر التابعة لمركز أبنوب مديرية أسيوط.

وفى عام 1903م هاجر الجد مع أصهاره إلى الأسكندرية، ويتزوج عبدالناصر الأب من فهيمة حماد ابنة تاجر الفحم عام 1917م.

وينجب ابنه البكر جمال فى يناير 1918م، وعندما انتقل والده للعمل بمكتب بريد الخطاطبة عام 1925 م

وأرسله أبوه إلى عمه خليل حسين، ليدرس بمدرسة النحاسين بالقاهرة.

وفى عام 1928م عاد إلى جده لوالدته ليدرس بمدرسة العطارين ليعود بعد عامين إلى القاهرة

ويلتحق بمدرسة داخلية بحلوان، ومرة أخرى يعود ويلتحق بمدرسة رأس التين بالأسكندرية،

يكمل دراسته بها حيث انتقل مرة اخرى إلى القاهرة للدراسة بمدرسة النهضة الثانوية بحى باب الشعرية،

ويحصل منها على البكالوريا عام 1936م.

سمات القيادة والنزعة الثورية

وخلال تلك الفترة ظهرت على الشاب جمال عبدالناصر سمات القيادة والنزعة الثورية

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد
توفيق الحكيم
توفيق الحكيم

بسبب تأثره بكتابات العقاد عن أبطال التاريخ الإسلامى،

وكتابات توفيق الحكيم عن فكرة خلود وإحياء مصر على يد بطل تاريخى.

ومن هنا جاء انضمامه الى جماعة مصر الفتاة اثناء دراسته الثانوية، وحتى حصوله على البكالوريا والتحاقه بكلية الحقوق عام 1936م لمدة 5 أشهر

قبل أن يلتحق بالمدرسة الحربية ويتخرج فيها عام 1938م ويعين مدرسا بها ثم يذهب للخدمة فى منقباد. بأسيوط حيث تعرف على معظم الضباط الذين انضموا لاحقا لتنظيم الضباط الأحرار حيث استطاع ناصر بشخصيته القوية وصرامته فى التعامل بسرية شديدة مع أفراد هذا التنظيم على مدار ثلاثة اعوام.

تحديد ساعة الصفر فى الواحدة من صباح الثالث والعشرين من يوليو

ونتيجة للأحداث المتلاحقة على الساحة السياسية تم تحديد أول نوفمبر 1952م ليكون موعدا للتغيير وقيام الثورة،

ونظرا لسوء الأحوال تم تقديم الموعد إلى 5 أغسطس، ومع تردى أحوال البلاد والعباد تم تحديد ساعة الصفر

فى الواحدة من صباح الثالث والعشرين من يوليو، حيث كان الملك والحكومة يديران البلاد من الأسكندرية،

زكريا محى الدين
زكريا محى الدين
أنور السادات
أنور السادات

فتم عقد الاجتماع الأخير ليلة الثورة بمنزل زكريا محى الدين،

لمناقشة خطة التحرك وأدوار كل ضابط ومجموعته وتحديد ساعة الصفر الواحدة فجرا، وكذلك كلمة السر “نصر”.

وفى ذلك اليوم تم استدعاء السادات من العريش حيث كان بصحبة صلاح وجمال سالم لتأمين قوات العريش.

 

حيث وقع الأختيار عليه لإلقاء بيان الثورة فى الإذاعة المصرية.

جيهان السادات
جيهان السادات

وبالفعل أخذ السادات تكليفه وذهب إلى منزله، وقام باصطحاب زوجته جيهان إلى سينما الروضة بالمنيل،

ليحضر ثلاثة أفلام متتالية، ويفتعل مشكلة ويذهب إلى قسم البوليس،

ويقوم بتحرير محضر شرطة حتى إذا فشلت الثورة يكون فى مأمن.

داهية منذ الصغر

لقد كان السادات منذ الصغر داهية، وكان هو الأشهر مع محمد نجيب قائد التنظيم .

وقد جاءت شهرته بسبب اتهامه فى قضية مقتل أمين عثمان، وتناول الصحف للقضية حتى أصبح من مشاهير عصره.

والى جانب ذلك، كان إلقاؤه للغة العربية الفصحى جيدا، ومخارج الألفاظ عنده منضبطة.

إلى جانب صوته الجهورى الذى يتناسب مع تلك المهمة، وهى إلقاء بيان الثورة،

وبعد العودة إلى المنزل ترك السادات زوجته وبدل بملابسه المدنية الزى العسكرى،

حتى يقود المجموعة المسئولة عن تأمين مبنى الإذاعة بشارع الشريفين، ومحطة أبى زعبل التى ذهب إليها الصاغ مجدى حسانين احد ضباط مجموعة السادات.

 

كمال الدين حسين
كمال الدين حسين

على الجانب الأخر بدأت المجموعات المكلفة بالتحرك حتى تصل كل مجموعة إلى الهدف الموضوع لها،

حيث انطلق عبدالمنعم أمين، وكمال الدين حسين إلى طريق السويس لتأمينه ومراقبة أى تحرك للقوات البريطانية الرابضة بمنطقة القناة من السويس فى اتجاه القاهرة.

فى حين قام خالد محى الدين ومعه حسين الشافعى بالاستيلاء على مقر سلاح الفرسان وتأمين مدخل مصر الجديدة.

كما قام حسن إبراهيم ومجموعته بالسيطرة على قاعدة ألماظة الجوية

بعد اعتقال ضباط سلاح الطيران فى منازلهم، وكان معه عبداللطيف البغدادى الذى قام باعتقال قائد السرب الملكى اللواء محى الدين أبو العز.

أما جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر فقد كان دورهما الوصول إلى مقر القيادة لإدارة العمليات.

القبض على اللواء محمد إمام رئيس البوليس السياسى

القائم مقام يوسف صديق
القائم مقام يوسف صديق

وكان الدور الأهم فى تلك الليلة، من نصيب القائم مقام يوسف صديق وضباطه الخمسة وجنوده الستون،

حيث انطلقت هذه المجموعة قبل لتصل إلى محطة الهايكستب قبل ساعة الصفر بساعة،

حيث قام باعتقال قائد المحطة اللواء مكى، وقائد المدفعية حافظ بكرى والعميد حسن حشمت قائد اللواء المدرع قبل وصوله إلى مقر سلاح الفرسان.

كذلك تم إلقاء القبض على اللواء محمد إمام رئيس البوليس السياسى واللواء أحمد طلعت قائد البوليس الحربى.

الإعلان عن قيام الثورة من خلال البيان الذى سيلقيه السادات

إلى هنا والثورة فى طريقها إلى النجاح، ولم يتبق سوى الإعلان عن قيام الثورة من خلال البيان الذى سيلقيه السادات.

فى تلك الأثناء وصلت الأخبار إلى الملك فى الأسكندرية، بتحركات ضباط الجيش،

فأصدر أوامره بفك محطة أبى زعبل اللاسلكية، ومنع أى شخص من الاقتراب منها،

لحين وصول لورى لحمل المحطة بعد تفكيكها، لكن سبق السيف العزل إذ وصل الصاغ مجدى حسانين قبل رجال القصر

وتقابل مع المهندس النوبتجى، والذى لعب دورا مهما فى نجاح تلك الثورة،

وهو المهندس الجارحى القشلان، والذى أشار على الصاغ حسانين بسرعة التوجه إلى محطة كهرباء غرب القاهرة

التى تغذى الإذاعة بشارع الشريفين، وبالفعل وصل حسانين قبل رجال السراى بخمس دقائق،

وتم تأمين المحطة رغم محاولات رجال السراى قطع الكهرباء والتليفونات أكثر من مرة.

إذاعة البيان فى تمام السابعة والنصف

لكن انتظمت هذه الخدمات قدر الإمكان، ليبدأ الإرسال الإذاعى فى السابعة،

فى حين كان السادات متواجدا بالمحطة الإذاعية منذ الساعة السادسة والربع،

لكن البيان تم إذاعته فى تمام السابعة والنصف، لتصبح الثورة منذ تلك اللحظة واقعا لا يمكن لأحد أن ينكره.

وبحسب ماذكر عبدالقادر القط وكيل وزارة الإعلام فى كتابه: “ما لا تعرفه عن ثورة يوليو”،

فإنه جرت محاولة استقطاب من جانب القصر لقائد الثورة اللواء محمد نجيب عن طريق وزير الداخلية مرتضى المراغى

ووزير التجارة والصناعة فريد زغلول.

لكن بصرامة القائد رفض نجيب وارتدى الزى العسكرى وذهب إلى مقر القيادة بكوبرى القبة، فى الثالثة والنصف فجرا

ليتلقى هناك اتصالا آخر من نجيب الهلالى باشا رئيس الوزراء الذى طالبه بوقف حركة الضباط

وإقناعهم بالتوقف عن هذا الانقلاب، مع وعده بتقلد وزارة الحربية، لكن نجيب رفض كل هذه الاغراءات

ليكتب النجاح لهذه الثورة ويخرج الشعب المصرى فى مواكب الفرح مؤيدا لهذه الحركة المباركة،

الملك فاروق
الملك فاروق

وتكتمل الثورة بتنازل الملك فاروق عن عرش مصر إلى ولى عهده الأمير أحمد فؤاد الثانى

بعد محاصرة نجيب والشافعى وكمال الدين حسين لقصر رأس التين، ليخرج فاروق وأسرته من القصر

على ظهر اليخت المحروسة فى طريقه الى ايطاليا لتطوى بذلك صفحة الأسرة العلوية فى حكم مصر بكل ما لها وما عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى