مع الآيات

الإيمان بالغيب.. واجب الوجود “مع الآيات – حلقة 7”

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله.. وبعد:

“مع الآيات” الحلقة السابعة “الإيمان بالغيب.. واجب الوجود” مع قوله تعالى فى سورة البقرة: “الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون”

الله عز وجل هو أكبر غيب في حياة المؤمن، غيب موجود بل واجب الوجود، ولذا

أول درجات الإيمان والتي يرتب الله عليها جنته ورضوانه ومحبته هي الإيمان بالله

الذي لم نره، ولكن أخبرتنا عنه النصوص والأدلة القاطعة الدامغة.

الشحنة الإيمانية الغيبية التي يتزود بها المسلم

إن الإيمان بالله هي تلك الشحنة الإيمانية الغيبية التي يتزود بها المسلم ويتسلح في مواجهة المادية العارمة، ولذلك جعلها

الله من أخص صفات المؤمنين المتقين الذين يهتدون بالقرآن الكريم، فقال كاشفا عن هوية هؤلاء المتقين: “الذين يؤمنون

بالغيب” فهو المعيار والمحك في قياس درجة الإيمان، لأن الإيمان بالمشاهدات لا يحتاج عظيم مؤنة، بخلاف الإيمان بالمغيبات،

وهذا ما اختصنا به النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى عن صحابته الكرام لما وصف إيماننا بأنه أعجب الخلق إيمانا، لأننا آمنا

بالله ولم نره، ولم نعاصر المعجزات، آمنا بما سمعنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويلي الإيمان بالغيب الركن الركين في الإسلام وهو إقامة الصلاة، ويلاحظ أن القرآن الكريم والسنة النبوية لم تأمرنا قط بمجرد آداء الصلوات.

وفرق بين الأداء والإقامة، فالأداء أن يأتي الفرد بمجرد الحركات والأفعال يسبقها وضوء وتوجه للقبلة، هكذا دون أن يتفعل دورها

في الحياة، فأداء الصلاة قد يكون في المساجد ودور العبادة، لكن قطعا إقامتها حقا، فيكون بالمعاملة مع الناس خارج المساجد وجدرانها.

إن إقامة الصلاة يا سادة بقول الصدق وتحري العمل به، واحترام الآخر وعدم الظلم والتعدي على حقوق الآخرين. وإقامة الصلاة

هي في تحري الحلال من الحرام في الرزق، في البعد عما يعكر صفو حياة الآخرين.

وإقامة الصلاة في العمل والاجتهاد، في الصبر والمصابرة، في الأخلاق الحسنة والخصال الكريمة، في إعانة الملهوف وقضاء حوائج الناس، في حب الناس والعمل من أجلهم .

لم يصل بل أدى حركات وأفعال جوفاء

بهذا تقام الصلوات إقامة حقيقية، وإلا ما قال سبحانه :” إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر….”

وبمفهوم المخالفة إذا صلى العبد وما زال على فحشائه ومنكره ومعاصيه، فهو حقيقة لم يصل بل أدى حركات وأفعال جوفاء.

“ومما رزقناهم ينفقون” وهذه الكلمات على قلة عددها إلا أنها توسع مفهوم الصدقات والزكاوات، فالآية الكريمة لم تقصر

الإنفاق فقط على المال.

بل فتحت الباب على مصراعية أن يتصدق كل منا وأن ينفق كل منا على حسب عطاء الله له، فالرجل يتصدق من ماله لأن عطاء الله له مال، والرجل ينفق من علمه لأن الله وهبه علما، والرجل يتصدق من صحته وآخر من وقته، وآخر من عقله وفكره ونصيحته، وآخر من أخلاقه.

إن فلسفة الإسلام في الإنفاق فلسفة شاملة، لم تسبقها أية فلسفة دنيوية، حيث عمقت مفهوم الإنفاق، وطالبت به الجميع لا يُعفى منه أحد حتى الفقراء لابد أن يتصدقوا بأخلاقهم، ولا يحقرن أحدنا صدقته حتى لو أهدت جارة لجارتها ” فرسن شاة ” كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وفرسن الشاة هو ظلف الشاة الذي ينتشر فيه القليل من اللحم، وهو غاية في الصغر، ومع ذلك أعلى الإسلام من قيمة التصدق به، وجعله سبيلا لمرضاة الله على العبد.
وأخيرا رسالتي : إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بحسن أخلاقكم واجعلوها صدقة.

أ. د. عبد الشافي الشيخ
أستاذ الدراسات العليا فى التفسير وعلوم القرآن
جامعة الأزهر الشريف

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى