مع الآيات

“مع الآيات” حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ (2)

نعمة الحمد

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف

بعد أن تكلمنا  فى الحلقة الأولى من حلقاتنا المسلسلة: “مع الآيات” عن “البسملة”

فى مقالنا السابق، نستفتح فى هذه الحلقة بسورة “الفاتحة” وما فيها من آيات قيمة،

يقول الله تعالى: “الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم”

فالحمد لله واهب الحياة وما يقيمها، والحمد لله سابغ النعم على عباده

يتقلبون فيها ليل نهار، منزلٌ آلائه تترى على خلقه دون أن يميز بين مؤمنهم وكافرهم،

بل يعامل الجميع بأنه رب، فيرزق الجميع ويشفي الجميع، وينعم على الجميع بل يغيث الجميع، ويستجيب

الدعاء من الجميع.

فهي قضية الربوبية التي لا تفرق في العطاء بين طائع وعاص.

ومن أسباب الحمد لله أن علمنا كيف نحمده، فوفر لنا الجهد والوقت في البحث عن صيغة للحمد تليق بذاته المقدسة فقالها

دون تعقيد أو تنافر: “الحمد لله”، ولو لم يمن الله علينا بتعليم هذه الصيغة لأُفنيت الأعمار في البحث عما يليق به.

فيُحمد الله لأنه رب لجميع العالمين يرعى مصالحَهم وما يصلح معيشتَهم فيسخر بعضَهم لبعض برحمته، ويرزق بعضَهم ببعض

بحكمته، ربٌ للعالمين قبل أن يطالبَهم بالطاعة، فهو إله كريم ليس من صفاته المقايضة، فليس الرزق مقابل العبادة، بل يرزق

قبل أن يُعبد، وينعم قبل أن يُشكر، ويجير المضطر دون الكشف عن هويته. ويستجيب أحيانا لدعاء الكافرين: “فَإِذَا رَكِبُوا فِي

الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ” (العنكبوت -65).هذه الصفات الإلهية رسالة لنا نحن

معشر البشر، ألا تكون جميعُ علائقِنا صفقاتٍ ومقايضاتٍ إن أُحسِنَ إلينا أحسنَّا وإلا فلا، وهو مبدأ مرفوض في الاخلاق الإسلامية.

“ليس الواصل بالمكافئ”

وفي مقام صلة الرحم: “ليس الواصل بالمكافئ” كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن سعة رحمة الله أن يرعى جميع العالمين على اختلاف مشاربهم وأجناسهم فخلق لكل مخلوق ما يقيم شأنه: “ربنا الذي

أعطى كل شيء خلقه ثم ههدى”.

يُحمد ربنا تعالى لأنه رحمن رحيم سبقت رحمتُه غضبَه، فله الحمد.

 وسعت رحمتُه كلَّ شيء فله الحمد.

والرسالة الأوضح هنا هي هذه العلاقة الوطيدة بين الحمد وبين الرحمة، فرحمة الله بنا من موجبات حمده تعالى، والحال ليس ببعيد في دنيا البشر، فالعلاقة بين الرحمة والحمد علاقة واضحة صريحة، فمن وجد في نفسه رحمه في خلقه وفي صفاته، فليحمد الله.
وقد أشفق النبى – صلى الله عليه وسلم – على الأقرع بن حابس عندما دخل على النبي، فوجده يقبل الحسن والحسين، فأخبر النبيَّ أن له عشرةً من الولد ما قبّل أحدَهم، فقال له النبيُّ مشفقاً عليه: “وماذا أفعل لك وقد نزع اللهُ الرحمةَ من قلبك” فسلبُ الإنسانِ الرحمةَ مصيبةٌ تستوجب أن نعزّي صاحبَها.
ومن تحلّى بصفة الرحمة فليحمده الناس على رحمته، فإن الرحمة ما كانت في شيء إلا زانته، وما نزعت من شيء إلا شانته.
ومن تحلى بصفة الرحمة قطعا سيحمده الله تعالى على رحمته بخلق الله، فالراحمون يرحمهم الرحمن.

أ. د. عبد الشافي الشيخ

أستاذ الدراسات العليا فى التفسير وعلوم القرآن الكريم

بجامعة الأزهر الشريف

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى