
هذه الحلقة تحت عنوان: “كيف تكفرون بالله؟” من سلسلة حلقات “مع الآيات”، نتناول فيها آيتين من كتاب الله تعالى فى سورة البقرة.. يقول الله تعالى:
“كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)”.
في الآية الثامنة والعشرين يتوجه القرآن الكريم بسؤال يغازلُ فيه العقلَ السليم بعيدا عن النصوص التي تفرض علينا الإيمان بالله،
إنه نداء العقل السليم، فهل يعقل أن يخلقَنا اللهُ ويحيينا بعدَ أن كنا عدما محضا ثم نتوجه بالعبودية لغيره؟.
إذن كيف تكفرون وتنكرون أحقيةَ الله تعالى في العبودية الخالصة له، وهو الذي أحياكم من عدم:
“هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا”، وهو العدم قبل الوجود سُمي بالموت
لانعدام النفع فيه فهو والموت سواء، ثم بعد أن خلقنا من عدم، هو فقط القادر على أن يميتنا،
ومن قدر على ما سبق قدر مجددا على الإحياء مرة أخرى للحساب،
والحياة الثانية هنا المراد بها حياة البرزخ في القبر، وهذا ما يفيده حرف” ثم”.
موازين يوم القيامة تختلف عن موازين واعتبارات الحياة الدنيا
الكل إلى الله راجع: الغني مع الفقير، الرئيس مع المرؤوس، الصحيح مع السقيم، الشريف مع الحقير،
فإن موازين يوم القيامة تختلف عن موازين واعتبارات الحياة الدنيا، الكل أمام عدل الله سواسية، يرجع الجميع قهرا إلى الله.
والوصول إلى الله في الدنيا كان اختيارا، أما الرجوع إليه يوم القيامة فهو قهر محض،
فيحكم بين عباده، ويجازي بما يراه مناسبا للعمل، وفق عدله وسلطانه.
الله تعالى يمتلك أسباب أحقيته في أن يكون معبودا
ودائما ما يصطحب القرآن الكريم معه مرشحات وأسباب الأمر بالعبودية لله، فليس من فراغ أن يأمرنا الله بالعبودية إليه،
فالله تعالى يمتلك أسباب أحقيته في ان يكون معبودا، لأنه خلق ورزق، دبّر وقدّر.
فهو سبحانه الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا، واستعمال كلمة” لكم” يفيد أنه خلقها لنا على جهة النفعية،
وكل ما في الأرض مباح لنا أن ننتفع به، إلا ما ورد فيه حظرٌ بنصّ، ولذلك استدل بهذه الآية جمهورُ العلماء
على أن الأصلَ في الأشياء الإباحة مالم يرد نصٌّ بخلاف ذلك.
وقدَّم الأرضَ وما فيها لأنها الملابسة لنظر الإنسان، فيقيم الدليل عليه مما يراه صباح مساء، ثم ينتقل به إلى أجواء جديدة ودلائل جديدة، بقوله تعالى: “ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات”
إنها رمز القوة والسلطان، إنها قيومية الله على عباده، ومصدر الخير بالنسبة للإنسان، ولذلك نتوجه إليها في الدعاء، ولا يغرّنك هذا الترتيب بما يفيد التراخي، فالكل أمامَ قدرةِ الله تعالى سواء، يخلق الجميع بقوله كن فيكون، لا يحتاج إلى وقت أو ترتيب،
لكنها حكمة الله التي تعلم الخلق، ومن أجمع الصفات التي تستوجب العبودية لله أنه بكل شيء عليم، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، فأين تذهبون، يامن تعصون الله هل تخفى على الله خافية؟ إنه بكل شيء عليم
أ. د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
فى التفسير وعلوم القرآن الكريم
يجامعة الأزهر الشريف