التوبة توفيق من الله.. “مع الآيات ـ حلقة 26″
حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

فى الحلقة السادسة والعشرين من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآية السايعة والثلاثين من سورة البقرة.
يقول الله تعالى: “فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”.
فلما كان الفرق بين معصية آدم لربه ومعصية إبليس، كالفارق بين آدم وإبليس ذاته،
فإبليس عصى الله عن عمد، واتّبع المنهج الشيطاني في تبريره للمعصية بقوله:
“أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين”، محاولا إقناع نفسه بما فعل من مخالفة صريحة لأوامر الله.
أما آدم عليه السلام فقد اعترف بمعصيته، وطلب من الله أن يتوب عليه، فقد فعلَها ساعة ضعف، وأقرّ أمام ربه بهذا الضعف،
توجّه إلى الله تعالى بقلب صاف ونية صادقة، فأعاده الله تعالى إلى حظيرة الربوبية، وعلّمه كيف يتوبُ إلى الله فيتوبَ الله عليه.
التوبة توفيق من الله تعلى
وفي ذلك ما لا يخفى من أن التوبة توفيق من الله تعالى، ولولا فضل الله على العبد ما رجع ثانية إلى الطريق الصحيح بعد معصيته، فليعلم كلُّ تائبٍ إلى الله أنه ما زال له عند الله تعالى رصيد، ولو كره الله تعالى رجوعه وتوبته لما وفقه للتوبة،
وقبول توبة التائب هي إصلاح للمجتمع بأسره، لأنه لو عصى أحدنا واستحق بمعصيته جهنم، ولم تكن له توبة،
ماذا سيفعل طيلة حياته وهو يعلم أنه من أهل النار لا محالة؟..
لا شك انه سيزيد من معصيته فلن يتغير وضعه إذا علم أنه في النار لا محالة، لكن من رحمة الله تعالى بالمجتمع
– قبل أن يكون بالعاصي- أنه شرع التوبة حتى لا يستزيد العبد من معصيته، وحتى يأمن المجتمع من شره المتوقع بدون توبة.
فالتوبة في تشريعها وفي قبولها نعمة من الله تعالى تستأهل أن نحمد الله عليه: “ولولا فضل الله عليكم ورحمتة
ما زكى منكم من أحد”، لابد أن ندرك فضل الله تعالى علينا في جميع التشاريع والأحكام، وهو ما فطن إليه آدم عليه السلام
فتاب وأناب وحمد الله أن وفّقه لهذه التوبة.
ما أجملَ أن يعترفَ الإنسانُ بضعفه بين يدي مولاه
والقرآن الكريم سلسلة مترابطة الحلقات، فما أُجمل في موطن فقد فُصّل في موطن آخر، وما أُطلق في موطن فقد قُيّد
في موطن آخر، ولما جاءت الكلمات التي تلقاها آدم من ربه هنا مجملة وغير منصوص عليها، فقد وضحها القرآن
في موطن آخر من كتابه العزيز في سورة الأعراف حيث يقول تعالى موضحا هذه الكلمات:
“قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”.
ما أجملَ أن يعترفَ الإنسانُ بضعفه بين يدي مولاه، ويرمي نفسه في أحضان التوبة إلى الله، معترفا بأنه لن يغفر الذنوب
إلا هو، والله تعالى يفرح بتوبة العبد أشد من فرح العبد نفسه بتوبته إلى الله.
وجميل أن يُظهر الإنسان ضعفَه في مناجاته لله تعالى، فهو أقرب للإجابة والقبول، وهنا يعلّمنا آدم عليه السلام فقه التوبة،
والتي يكمن سرها في الاعتراف بالذنب والإقرار به، وبعدها يعترف الإنسان بربوبية الله وأنه وحده الذي يغفر الذنب ويعفو عنه
وأن يظهرَ ضعفَه وفقره وعَوزَه إلى الله تعالى.
اللهم لا تحرمنا لذة التوبة إليك واقبلها منا يا كريم.
أ. د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
فى التفسير وعلوم القرآن الكريم
يجامعة الأزهر الشريف