فنّ الدعوة إلى الله .. “مع الآيات ـ حلقة 29″
حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

فى الحلقة التاسعة والعشرين من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآيات من ٤٠ إلى ٤٣ من سورة البقرة.
يقول الله تعالى: “يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ *
وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ *
وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ”.
إن الدعوة إلى الله تعالى فنٌّ وعلمٌ له ضوابطُ وأُسس، فليست الدعوةُ إلى الله مطيةً يركبها من لا خبرة له بها،
كما أنها ليست حائطا وضيعا يتسلّقه من قلّ زاده وكسدت بضاعته.
إن الدعوة مهنة الأنبياء وورثتهم، إنها الدعوة إلى الله تعالى، مطلوب ممن يمارسها ويتصدى لها أن يجعل الناس يقبلون على
الله بحب وأن يكون مندوبا جيدا عن الله مع خلقه.
بعيدون عن الدين والدعوة إلى الله
هكذا لا بد أن نفهم مقام الدعوة إلى الله، فليست تجارةً وليست وظيفةً مقابل أجرٍ وكفى، ولذلك لمّا فُرِّغت الدعوةُ إلى الله
من مضمونها لم تثمر إلا الأغراض والأحزاب التي تمتطي الدين لتحصيل بغيتِها، ولتنال بها مصلحتَها، فتجاذبتها أحزابٌ وجماعاتٌ
وهم في الحقيقة بعيدون عن الدين والدعوة إلى الله.
القرآن الكريم يعلّمنا كيف نتحاور مع المخالف وكيف ندعوه إلى الطريق المستقيم، بدأت الآيات بقوله تعالى: “يا بني إسرائيل”
وهو ملحظ دعوي راق، القرآن هنا اختار هذا الوصف لهم ليردهم إلى تاريخ أبيهم الأول إسرائيل، فكأنه يقول لهم:
“يا أولاد هذا النبي الصالح والرجل الصالح الذي وصى أولاده قبل موته بتقوى الله والتمسك بالدين: “ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوبُ يابنيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون”.
تقديم الترغيبَ واللينَ على الترهيبِ والشدةِ
ثم يذكرهم الله تعالى بنعمه عليهم حتى يضعوها نُصب أعينِهم لمعرفة أن الله لا يريد بهم إلا الخير، وتاريخُ نعمه عليهم
خير شاهد، وهكذا لابد ان يتعلم الدعاةُ من أسلوب القرآن الكريم الذي يقدم الترغيبَ واللينَ على الترهيبِ والشدةِ
حتى مع المخالفين، وبعد أن يقررهم القرآن الكريم بنعمه عليهم يطالبهم بهذه الأوامر وتلك النواهي، فيطالبهم بالوفاء بالعهد
فيما بينهم وبين الله، فلله على عباده حقوق، وللعباد – إن آمنوا – على الله حقوق، وكتب الله على نفسه أن يوفي بعهده لمن أطاعه سبحانه.
إياكم وإلباس الباطل ثوبَ الحق
طالبهم القرآن بألا يكونوا رأسا في الكفر والجرأة على لله” ولا تكونوا أول كافر به”، وإياكم وإلباس الباطل ثوبَ الحق والتعميةَ
على الناس وإضلالهم بالكذب والبهتان، كما أن كتمان الحق بعد الوقوف عليه من أنكر المنكرات.
وبعد أن تتخلى النفس عن هذه الدنائس تصير مستعدة لتلقي فيوض الله تعالى عليها، فتؤتي الصلاة ثمرتها،
ويستفيد الإنسان من صدقته وزكاته، وهو ما يفسر لنا علة تأخير الأمر بالصلاة والزكاة بعد الالتزام بجملة أوامر الله تعالى
واجتناب نواهيه، فالتحلية تكون بعد التخلية، خل قلبك أولًا من أمراضه تتلقى أنوار الله تعالى بالطاعة،
واحرص على أن تكون مع جماعة المسلمين وعامتهم، ولا تشق عصى المسلمين فتخالفهم إلى ما تراه دون دليل أو برهان إلا اتباع الهوى.
أ. د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
فى التفسير وعلوم القرآن الكريم
يجامعة الأزهر الشريف