مع الآيات

“مع الآيات” حلقات يكتبها : أ.د. عبد الشافى الشيخ (5)

مراد العبد من ربه

  مع الآيات الأخيرة من فاتحة الكتاب، قوله تعالى: “اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين “، وفيها يتضح مراد العبد من ربه.
أن يهديَه الطريقَ الحقَّ، الذي لا اعوجاج فيه، ولابد أن يوقنَ العبدُ ويعتقد اعتقادا جازما بأنه لولا فضل الله
تعالى عليه لما عرف طريق الحق والرشاد، ولولا فضل الله على البشر لما بعث إليهم الرسل مبشرين ومنذرين يعلّمون الناس
طريق الهداية وتفاصيلها، لأن غاية ما يتوصل إليه العقلُ أن يدركَ أن لهذا الكونِ خالقاً ومدبراً، أمّا ما يقتضيه هذا المعنى من
صفات الإله وما يرضيه وما يسخطه على عباده، وما أعدّه للطائعين وكذا العاصين، فالأمر فيه متوقف على إرسال الله الرسل
بالمنهج والدستور والبيان الحق حتى يلزمَهم الحجةَ: “وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا”.
الهدايةُ التي نطلبُها من الله وحدَه لا تتعارض مع هدايةِ النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنا، فهداية النبي هداية دلالةٍ وإرشادٍ،

أما هدايةُ اللهِ تعالى فهي هدايةُ التوفيقِ والمعونةِ، وهما لا يتعارضان.

مع التأكيد على أن الهدايةَ ليست وجبةً واحدةً متى ما حصل عليها الإنسان انتهى الأمر وتوقف عن طلبها، فالهداية هي
منهج حياة في كل صغيرة وكبيرة من تفاصيل الحياة، فأنت مطالب أن تكون على الصراط المستقيم في كل أمورك: صغيرها
وكبيرها دقّها وجلّها “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين”.
واستمرارية طلب الهداية حتى الممات مفهومها أن يثبتنا الله على طريقه، أو على معنى الازدياد من الأعمال الصالحة فبها
يزيدُ الإيمانُ وينقص وتزيدُ الهدايةُ وتنقص: “والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم”.
 فهذه الأيات تدلنا أن مراد العبد من ربه طلبَ العونَ والمدد والهداية من الله تعالى وحسب،
فمن ابتغى الهُدى عندَ غيرِ الله أضلّه اللهُ:

فإن لم يكن للعبد توفيقٌ من ربه  **  فأول ما يجني عليه اجتهادُه

ولا بدّ أن يترسّخ لدى كلّ صاحبِ لبٍّ أن الطريقَ المستقيم يكمن فقط في اتباع منهجِ الله: “قل إن الهدى هدى الله” لأنه
الخالقُ الذي يعلمُ مَن خلقَ، ويشرّع ما يُصلِح شأنَه، ويُقوّم حياتَه.
عباد الله: إن صراطَ الله واضحةٌ جليّةٌ بعيدةٌ عن الطرق والسبل الملتوية والتي تستوجب غضب الله أو عذابه “وأن هذا صراطي
مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله” وهو المعنيُّ بقوله :” غير المغضوب عليهم ولا الضالين ” صراط لا تقبل المراوغة ولا المزايدة، بيضاء ناصعة لاعِوج فيها ولا أمتا.
ولما كانت العبادةُ نزهةَ القاصدين، ومستروحَ المريدين، ومربعَ الأنس للمحبين، ومرتعَ البهجة للعارفين. بها قرّةُ أعينهم، وفيها مسرةُ قلوبهم، ومنها راحةُ أرواحهم. لم يبخل عليهم بها الله تعالى فيقول ” هذا لعبدي ولعبدي ما سأل”
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى .
أ. د. عبد الشافي الشيخ
أستاذ الدراسات العليا فى التفسير وعلوم القرآن
جامعة الأزهر الشريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى