توقفنا في المقال السابق مع “المخرج” والذي حددناه على مستويين هما الدبلوماسية الرسمية والرئاسية، والتي تناولناها في نهاية المقال السابق.
أما المستوي الثاني والمتمثل في”الدبلوماسية الشعبية” فهو ما سنبدأ به هذا المقال فنقول:
أما على مستوى الدبلوماسية الشعبية فهنا يجب تقريب الشعوب من بعضها البعض،
ومحاولة تبادل الثقافات وتعريف الشعب المصري بصورة أفضل عن القارة الأفريقية
ودول حوض النيل، وأهمية هذه الدول للأمن القومي المصري، وذلك من خلال الأنشطة الثقافية وبرامج “التوك شو”
والمناهج التعليمية والسياحية..الخ، بجانب العمل على التقليل من النظرة العنصرية الاستعلائية من جانب الشعب المصري
تجاه شعوب القارة السمراء، وعدم التعامل على أساس اللون أو الدين أو الجنس، وكذلك عدم التقليل من شأن شعوب
هذه القارة، فضلا عن تشجيع رجال الأعمال المصريين على الاستثمار في هذه البلدان، والحرص على التواجد المصري
في دول حوض النيل، وهذا الأمر سيكون أثره على المدى البعيد.
الوصول إلى مقاربة تنموية شاملة
علي أية حال لابد لمصر والسودان وأثيوبيا أطراف المعادلة الرئيسيين الوصول إلى مقاربة تنموية شاملة لاتحفظ حقوق الدولة التاريخية فقط،
ولكن تقود إلى تنمية موارد كافة الدول علي نحو يرتقي بمنطقة حوض النيل ويجب أن تقوم العلاقات الدولية
في منطقة حوض النيل على أسس من التكامل والمنفعة المتبادلة، وهذا لن يتحقق إلا بالابتعاد عن الخطابات العدائية،
وبذل جهود نحو تقليص الفجوة بين الأطراف، وهنا ندرك أن مصر عليها دور كبير تلعبه في هذا الشأن تحديدا،
فيكفيها سنواتها العجاف السابقة في أفريقيا، ولابد لنا من التأكيد على ضرورة دعم البعد الأفريقي المصري
من خلال تدعيم المحاور الاقتصادية والشعبية والثقافية بدول حوض النيل عن طريق التكامل العلمي والمعرفي
بإنشاء المدارس والجامعات بها، وكذلك المراكز الثقافية ومحاولة مساعدة هذه الدول وتنميتها صحيا من خلال البعثات الصحية
وإقامة المراكز الصحية المتخصصة والمستشفيات هناك “كما حدث في جنوب السودان” ولأن نهر النيل لا يتوقف،
فأن المفاوضات والاهتمامات المصرية يجب ألا تتوقف هي الأخرى مع هذا الملف الخطير.
ضرورة السعي لتعديل ميزان القوى في المنطقة
إن الوضع الراهن للعلاقات في المنطقة يفرض ضرورة السعي لتعديل ميزان القوى في المنطقة الذي يميل “يومها” لصالح المحور الرباعي: “أثيوبيا، كينيا، أوغندا، جنوب السودان” الذي كان يعمل تحت المظلة الصهيونية – الأمريكية،
وذلك من خلال عدة مسارات هي:
1ـ العمل قدر المستطاع على تحقيق التوازن في المنطقة من خلال الآتي: A- تسوية المشكلة الصومالية.
حيث كانت الصومال تشكل عامل توازن في المنطقة في مواجهة أثيوبيا على نحو كان يخدم المصالح المصرية،
ويمكن أن يتم ذلك بتقديم “مصري، سوداني، أرتيري، يمني، سعودي، أردني. ” B- تعزيز العلاقات مع أريتريا بسواحلها
الممتدة، البالغ طولها على البحر الأحمر نحو ( 683 ) كيلو متر، وذلك دون تجاهل للعلاقات مع أثيوبيا.
C- العمل على تحقيق تنسيق بحري بين الدول المطلة على البحر الأحمر والمتمثلة في: “أريتريا والسودان واليمن
والسعودية والأردن إضافة إلى مصر” خدمة لمصالح هذه الدول ومواجهة التهديدات الخارجية.
D- العمل قدر المستطاع على تعميق العلاقات مع بعض دول حوض النيل التي لها عداوات تاريخية مع مصر وهي:
“جنوب السودان، والكونغو الديمقراطية، ورواندا، وبوروندي لتفكيك هذه العلاقات مع أثيوبيا” – وهذا ما قامت به القيادة المصرية
مع بعض الدول كجنوب السودان والكونغو الديمقراطية- .
2ـ تعزيز العلاقات مع دول غرب أفريقيا “الإسلامية” لحصار مصدر القلق في منطقة حوض النيل: “أثيوبيا وحلفاءها”
مع الحذر من التعامل أو التعاون مع الجماعات الراديكالية “التكفيرية “.
3ـ ممارسة أكبر قدر من الضغوط على الصين حتى تمتثل للقانون الدولي وتتوقف عن إقامة أو تمويل سدود علي النيل الأزرق بأثيوبيا.
4) محاولة إغراء الولايات المتحدة، أو ممارسة قدر من الضغوط عليها كي تتوقف عن الدعم المطلق لأثيوبيا، والذي من شأنه
الإضرار بالمصالح المصرية – وهو ما حدث بالفعل أخيرا- .
5ـ ضرورة نص المفاوض المصري على أن تكون عدالة توزيع المياه على مجمل حوض نهر النيل، وليس فقط مجرى النهر،
حيث مجمل إيرادات الحوض من المياه سنويا هو” 1650″ مليار متر مكعب، فنهر النيل لا يعاني من ندرة
ولكن من انعدام تنسيق بين دول الحوض.
العمل على تنفيذ مشروع نهر الكونغو
6ـ ضرورة وجود رؤية متكاملة لتنمية إيرادات الحوض من خلال إحياء مشروعات مشتركة وتنمية الحوض مثل العمل على تنفيذ مشروع نهر الكونغو الذي طرح في فترة الرئيس السادات والذي يقوم على ربط نهر الكونغو بنهر النيل ومرادة التحكم في الموارد المائية في البلدان المستفيدة وهي مصر والسودان وجنوب السودان وذلك باستغلال جزء من فواقد نهر الكونغو والتي تصل إلى ألف مليار متر مكعب سنويا تلقي في المحيط الأطلسي وذلك عن طريق إنشاء قناة حاملة بطول 600 كم لنقل المياه إلى النيل عبر جنوب السودان إلى شمالها ومنها إلى بحيرة ناصر- وتأتي الزيارة الأخيرة لضباط الهيئة الهندسية للكونغو خطوة جادة لتحقيق هذا المشروع الحلم – و سنستكمل الخيارات الحرجة في المقال القادم إن شاء الله تعالى .
حفظ الله الوطن ..!!
*أحمد صادق شرباش
رئيس لجنة إنهاء المنازعات الضريبية
للقناه وسيناء والشرقية
2 تعليقات