
توقفنا في المقال السابق مع بوادر الخلاف ” المصري – السوداني “حيال اتفاق واشنطن، وسعي القاهرة
لاحتواء هذا الخلاف من خلال زيارة اللواء ” عباس كامل “رئيس المخابرات المصرية
إلي الخرطوم وكان عنوانها الاطمئنان على رئيس الوزراء ” عبد الله حمدوك ” بعد تعرضه
لمحاولة اغتيال وأنه في الغالب جرى تشاور في الملف بهدف إزالة أي سوء فهم
واستيضاح المواقف بجانب القضايا الأمنية، ووفق مراقبين فأنه مازالت أمام مصر حلول
سياسية وقانونية قبل الحديث عن أي خيارات خشنة ، ويقول السفير ” جمال بيومي ” مساعد وزير الخارجية المصري
الأسبق: إن مصر لم تستخدم أوراقها كافة حتى الآن، وأن إدخال الولايات المتحدة والبنك الدولي كان خطوة إيجابية رغم تعثر
الاتفاق ، فقد أظهرت مصر أمام العالم تعنت أثيوبيا وجعلت واشنطن والبنك الدولي في صفها.
* القانون الدولي…..
الدكتور مفيد شهاب أستاذ القانون الدولي – الوزير المصرى السابق ـ يشير إلى أن حصة مصر من مياه النيل يحميها كثيرا من
الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وأن مصر ملتزمة بكل الإجراءات الدبلوماسية للحفاظ على حقوقها، نافيا احتمالية استخدام القوة،
ويضع الخبير القانوني بدائل أمام القاهرة منوها بأن أشتراك وسطاء دوليين جدد أمر مطروح، وكذلك الاستعانة بمنظمات
إقليمية بعضها طرح المسألة على الجمعية العمومية للأمم المتحدة للحصول على إدانة ضد موقف أثيوبيا،
ويقول ” شهاب “: إن الدبلوماسية المصرية تدرس إمكانية ترشيد استغلال مياه النيل مؤكدا أن نهر النيل يعد نهرا دوليا يمر
بـ “11” دولة، ما يجعل استغلال مياهه مشروط بمصالح باقي الدول، ويتابع: إن المفاوضات تنجح فى علاج 90% من النزاعات
الدولية، يليها تدخل القوى الإقليمية، ثم التحكيم أو القضاء الدولي الذي يصدر حكما نهائيا ملزما للأطراف،
لا تملك مصر تقديم أي تنازلات أخرى
ومن جانب آخر تستطيع أثيوبيا تسوية الخلاف فورا إذا ما قررت التخلي عن تعنتها، ووقعت على الاتفاق، بينما لا تملك مصر
تقديم أي تنازلات أخرى، بحسب الدكتور” نصر الدين علام ” وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق،
وأضاف “علام” الذي تحدث لـ” الشرق الأوسط ” قائلا: إن أديس أبابا حصلت بالفعل على اعتراف مصري بالسد بسعته الكبيرة،
وكذلك تحمل أضرار الملء لكنها ما زالت تطمع في الحصول علي حصة مائية من ” النيل الأزرق ” الرافد الرئيسي لنهر النيل
في مصر لتوسعات زراعية مستقبلية، وبناء مزيد من السدود، وهو الأمر الذي يمثل خطا أحمر للمفاوض المصري،
الذي لايمكنة التخلي عن موارد الشعب من المياه، وحسب ” علام” إذا أستمر التعثر تمتلك مصر أوراقا عدة من بينها
تحييد دور الولايات المتحدة والغرب في القضية، وترويج مصر لقضيتها بما يمكنها من تحقيق أمنها المائي، وعدم التفريط
في حقوقها محذرا من مغبة أي تصعيد في النزاع، خاصة أن منطقة القرن الأفريقي تعاني من هشاشة أمنية، ولاتحتمل
أي أزمات أقليمية، كما أن أثيوبيا لديها أزمات داخلية.
* تحديات .. وقواعد …
حاليا تعاني مصر من ” ندرة مائية ” ووفقا لوزير الموارد المائية والري “محمد عبد العاطي” تواجه مصر تحديات كبيرة نتيجة
محدودية الموارد المائية وزيادة الاستخدامات التي انخفض على أثرها نصيب الفرد نتيجة النمو السكاني المتزايد لأقل من
“570 متر مكعب/ عام” بينما من المتوقع أن تؤدي التغيرات المناخية لانخفاض كمية الأمطار وزيادة احتياجات المحاصيل
الزراعية، ويشير الدكتور ” محمد سامح عمرو ” خبير القانون الدولي إلى وجود قواعد دولية لابد من احترامها، وعلى أي دولة
تريد عمل مشروع أيا كان على النهر أن تخطر الدول الأخرى، وتتشاور معها، وتتعاون معها للوصول إلى أفضل النتائج مع الحفاظ
على مبادئ الاستخدام المنصف العادل للنهر، وعدم الإضرار بالدول الأخرى، فلا يؤدي الموقع الجغرافي لدولة الى الإضرار
بدولة أخري، وأضاف ” عمرو”: إن قواعد استخدام مياه الأنهار أكدتها المحاكم الدولية في أكثر من قضية، ومنها حكم محكمة
العدل الدولية عام 1937 في نزاع بين أسبانيا ودولة مجاورة لها أرست خلاله المحكمة كل مبادئ استخدام الأنهار خلال
السنوات العشرين الأخيرة، وهذا مؤشر على وجود مشكلات في استخدام المياه، وهي قضايا في أوروبا وأفريقيا وبشكل كبير
في أمريكا اللاتينية وهذا دليل على وجود قواعد القانون الدولي.
* الخيار العسكري…
رسميا ترفض مصر التكلم عن أي خيار عسكري للتعامل مع النزاع بل إنها ” مصر ” وجهت اللوم إلى ” أبي أحمد ” عندما تحدث في أكتوبر 2019 عن استعداد بلاده إلى حشد الملايين للدفاع عن السد في مواجهة أي حرب، الأمر الذي اضطره لتقديم توضيح يؤكد أن حديثة فهم على وجه خاطئ، “ولكن أيضا رغم ذلك فأن استبعاد التعامل العسكري تماما في أي مرحلة مقبلة أمر غير صحيح ” بحسب مراقبين يشيرون إلى تلميحات مبطنه من الجانبين، ربما مجرد تلويح أو تهديد، مؤكدا استعداد أي طرف للدفاع عما يعتقد أنه ” حقوقه ” إلي ابعد الحدود أو تعرض مصر للجفاف جراء حجز المياه خلف بحيرة سد النهضة الأثيوبي.
– أما عن دوافع وأسباب التعنت الأثيوبي في مفاوضات سد النهضة، فهذا ما سنبدأ به المقال القادم إن شاء الله تعالى.
حفظ الله الوطن
*أحمد صادق شرباش
رئيس لجنة إنهاء المنازعات الضريبية
للقناة وسيناء والشرقية
2 تعليقات