
توقفنا في المقال السابق عند جانب من شطط السياسيين والباحثين الإثيوبيين الذين انفصلوا عن الواقع متذرعين بدعاوي وأوهام تجافي حقائق التاريخ والجغرافيا،
ورصدنا جانبا من أقوال أحد الباحثين الإثيوبيين في شؤون القرن الأفريقي والذي يدعى “أيوب قدي أمبي” ونواصل مع جانب أخر من أقواله
التي زعم فيها أن تمسك أثيوبيا بحقها في عملية ملء الخزان نابع من اتفاقية الخرطوم للمبادئ
التى ضمت موادها مسألة مزامنة ملء خزان البحيرة مع عملية التفاوض، هذا وأشير إلى أنني “تعرضت للمبادئ العشر
فلم يوجد بينها مبدأ يساير هذه المزاعم من قريب أو بعيد، وواصل الباحث” أيوب قدي أمبي” قوله: “نفى تعمد
أديس أبابا أتخاذ مواقف مستفزة لأطراف الحوار مشيرا إلى أنها تتصرف وفق الحقوق المشروعة، وأشار إلى
أن الوصول الى حل لقضية سد النهضة بكل جوانبها في ملء وتشغيل السد، وإزالة المخاوف ووضع الضمانات
بما فيها آلية فض النزاعات كلها قضايا غير خاضعة للطرف الأثيوبي وحده وإنما تتطلب عملا مشتركا، وتنازلات متبادلة،
وأكد “قدي” تمسك أثيوبيا بخيار الحوار مهما يتطلبة من جهد، مشيدا بـ”وعى” الوساطة الأفريقية وحرصها
على الحلول المنصفة لقضية أزمة سد النهضة.
مسار المحادثات والموقف الأثيوبي
* من جهة أخرى وضمن تعليقه على مسار المحادثات والموقف الأثيوبي رأي “ديجين يميني ميسلي” الباحث
في كلية الحقوق والدراسات الإدارية في جامعة أديس أبابا ” أن إثيوبيا كانت في وضع قانوني دولي جيد
مقارنة ببلدان المصب قبل توقيعها على إعلان مبادئ الخرطوم عام ٢٠١٥ ، وأوضح أنه لم يكن هناك أي أساس قانوني
لمصر لدعم مطالباتها بملء وتشغيل سد النهضة باستثناء الاعتماد على اتفاق الحقبة الاستعمارية الموقع عام ١٩٠٣
بين الإستعمار الإيطالي الذي كان يحتل أثيوبيا، والاستعمار البريطاني الذي كان يحتل مصر ووصف “ديجين” تقييد بلاده
باتفاقية المبادئ بأنه انتكاسة للموقف الأثيوبي، مضيفا: إن ما يؤسف عليه هو أن نرى أثيوبيا وهي تتفاوض مع مصر
لإنتاج مبادئ توجيهية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، فى إشارة إلى المفاوضات الثلاثية التي استضافتها الولايات المتحدة
والبنك الدولي في يناير من العام ٢٠٢٠ ، وانتقد “ميسلى” المعاهدات الاستعمارية القديمة قائلا: “إن مصر استشهدت
وأصرت على معاهدات تخصيص المياه في الحقبة الاستعمارية لإضفاء الشرعية على مطالباتها بالاستخدام الطبيعي
والتاريخي لمياه النيل، وهذا الاعتماد يتعارض مع المبادئ العامة المهيمنة على القانون الدولي لاسيما مبدأ المساواة
في السيادة بين الدول كما هو مدرج في ميثاق الأمم المتحدة.
مصر لن تكون على استعداد لتقديم تنازلات
* وفي معرض حديثه عن المواقف الأثيوبية التى يصفها بعض المراقبين بالمتعنته قال الباحث: “ديجين ميسلى”: إن مصر
إلى جانب الدول المتشاطئة الأخرى لن تكون على استعداد لتقديم تنازلات عما تعتقد أنه مصالح مشروعة لها،
فما بال أثيوبيا التي تبحث عن حقوقها الشرعية في قسمة مياه النيل التي ظلت حكرا على دول المصب،
وأكد “ميسلى” أنه لا يمكن الوصول إلى حل قضية سد النهضة عبر ادعاء تاريخى ، معتبرا أن
ماتعارفت عليه الحقب الاستعمارية ذهب مع تلك الحقب.
* وهنا أطرح سؤالا أراه جديرا بالبحث عن إجابة له: ماهي الحسابات الأثيوبية في أزمة سد النهضة؟
فأقول: “إن مشهد الملء الأول لبحيرة سد النهضة بدا غريبا من تصريح الملء علي لسان وزير الرى “بيكيلي” إلي نفي وإنكار،
بل تكذيب على أوراق رسمية صادرة عن دولة أثيوبيا إلي دولة السودان حين قالت الأخيرة بوجود مؤشرات ببدء الملء
بلا اتفاق مع انخفاض التدفق المائي إليها في محطة “الديم” حتى الفصل النهائي في المشهد قول رئيس الوزراء الأثيوبي:
إن الملء الأول قد انتهى وسط دهشة الجميع من هذا الإجراء “على أي حال ” يبدو لنا أن الحسابات الأثيوبية
في مثل هذا المشهد مستندة إلى حالة السيولة التي يعيشها النظام الدولي والتنافسية الراهنة بين أقطابه
جعلت قدرة أي طرف دولي على تسلم مقعد القيادة محل صراع وتجاذب وهو ما يسهم بشكل فعال في غياب القواعد
المنظمة للعلاقات الدولية، حيث يبدو راهنا أن الكسب في هذه العلاقات لمن ينجح لفرض إرادته على أطراف الصراع الأخرى
بالقوة المسلحة، أو السيطرة على الموارد، أو ابتزاز هذه القوى يدفعها إلي حافة هوة الصراع التي تخشى الوقوع فيها.
تفاقم حالة انشغال الدول الكبرى بمقاومة الجائحة
* بطبيعة الحال أسهمت المتغيرات المرتبطة ببروز فيروس ” كوفيد ١٩ ” في تفاقم حالة انشغال الدول الكبرى بمقاومة الجائحة والانكفاء الداخلي لتلبية متطلباتها الذاتية، ومراجعة سياساتها العولمية التي ظهرت سلبياتها في مواجهة هذا النوع من التحديات، في هذا السياق يمكن رصد موقف الأطراف المختلفة مع طرح البدائل المصرية الممكنة في هذه المرحلة، فعلى مستوى الولايات المتحدة نجد أن واشنطن لم تتحرك في سد النهضة إلا على خلفية القمة الأفريقية الروسية واحتمال تدخل روسي في أزمة سد النهضة فنشطت الولايات المتحدة نسبيا ووفرت منصة للتفاوض اعتبارا من خريف ٢٠١٩ وحتى فبراير ٢٠٢٠ .
وسوف نستكمل في المقال القادم إن شاء الله تعالى.
حفظ الله الوطن …!!!
* أحمد صادق شرباش
رئيس لجنة إنهاء المنازعات الضريبية
للقناة وسيناء والشرقية
تعليق واحد