بعد أن تعرفنا فى المقال السابق علي تحركات الدبلوماسية المصرية حيال التصعيد الأثيوبي بدءا من توقيع أتفاقية “عنتيبي”
مرورا بالبدء في إنشاء سد النهضة مقتنصة حالة السيولة التي عطبت الدولة المصرية بعد سقوط نظام “مبارك” فبراير 2011 والرد المصري لمجابهة هذا العدوان والتعنت الأثيوبي.
أواصل الحديث بالتعرف على مخاطر هذا السد..فأقول: لم يكن خبر بناء السد مفاجئا لمتابعي الملف المائي المصري،
وتزامن مع ذلك تدهور الدور المصري على الساحة الأفريقية خلال العقود الثلاثة الأخيرة – كما قلنا سابقا –
خاصة بعد حادثة محاولة أغتيال الرئيس المصري الأسبق “حسني مبارك” في العام 1995، وإنما كان من المتوقع اتخاذ أثيوبيا هذه الخطوة منذ فترات،
وتعلم مصر بالمشروعات التي تقوم عليها أثيوبيا ومطالبتها ببناء السدود لتوليد الطاقة الكهرومائية – كما يروجون- وتحقيق
التنمية، وكذلك الإصرار على تعديل الاتفاقيات التاريخية، والمفاجئ في الأمر هو توقيت بناء السد ،
والاسم الذي أطلق عليه بأنه ” سد النهضة ” وهذا السد لم يكن فقط أمرا هندسيا فنيا تنمويا ولكنة أمر استراتيجي ومسألة أمن قومي،
وتتمثل مخاطر بناء سد النهضة في التالي :
1- تحويل المجرى قد لا يؤثر حاليا على تدفق المياه إلى مصر والسودان ، ولكن بعد اكتمال بناء السد – أن قدر الله له أن يكتمل –
وملئة ب 74 مليار متر مكعب سيكون هناك عجز يقدره البعض بأنه يتراوح ما بين 11 إلي 19 مليار متر مكعب سنويا بمتوسط
15 مليار متر مكعب سنويا والسؤال هنا : كيف سيكون الوضع ؟ خاصة ونحن نتحدث عن واحد من أربعة سدود ؟! مما يعني أن
أثيوبيا ستتحكم في أربعة بوابات لتدفق المياه إلى باقي الدول، وبالتالي التأثير على تدفق المياه إلى دول المصب
وخاصة مصر، والتأثير على حصتها من المياه، والتي قد يصل حد تخفيضها إلي ٢٠ مليار متر مكعب سنويا، والتي تضع مصر
ضمن دول الفقر المائي مما سينتج عنه كارثة حقيقة في مصر بكل المعاني نظرا لاعتماد مصر شبه الكامل على مياه النيل،
مما سيكون له أثر سلبي على الزراعة – القطاع الرئيسي – والثروة الحيوانية والتنمية، فضلا على تأثيراته البيئية المدمرة
لمقومات الحياة مما يؤدي إلى دخول دول حوض النيل الحتمي في صراعات قد تصل إلى حد الحروب العسكرية على المياة.
حدوث فترات جفاف وتدهور في المياه
2- خلال فترة ملء خزان السد – وهي من الأمور الخلافية بين أثيوبيا ومصر والسودان- وهي تقدر بـ ٦ سنوات سيصاحب ذلك
عجز في إنتاج الطاقة المائية من السد العالي في مصر إلي جانب انخفاض مستوى المياه في بحيرة ناصر الى حوالي 15 مترا، إضافة إلى حدوث فترات جفاف وتدهور في المياه.
مرسى مندوب الإخوان في قصر الاتحادية
ووفقا لما سبق تعد هذه الأزمة من أكبر التحديات التي واجهت النظام المصري – يومئذ – بقيادة الرئيس مرسي – مندوب الإخوان في قصر الاتحادية –
وإن كنا لاننكر أن “مرسي “ورث ملفات شديدة التعقيد من النظام السابق المسئول الأكبر عن هذه الازمة، ولكن ما يتحمله
“مرسي” هو عدم التعامل بجدية بصورة مناسبة مع الموقف ووضع هذا الملف على قمة أولوياته عند وصوله للحكم حيث
انصبت اهتماماته على الصراعات الداخلية وتحقيق التمكين لجماعة فيما عرف بـ ” أخونة الدولة” في التحركات سواء علي
المستوي المصري الرئاسي الإخواني أو الدبلوماسي كان بطيئا للغاية حيث كانت هناك لجنة ثلاثية، وكان من المفترض أن
تنتظر أثيوبيا قرارها في مشروع سد النهضة، والذي صدر فعلا في الـ 30 من مايو العام 2013، إلا أن أثيوبيا استبقت الأحداث
ولم تنتظر قرار اللجنة الثلاثية لتقييم سد النهضة والذي أعده ١٠ خبراء ومسئولين من مصر وأثيوبيا والسودان إضافة إلى ٤
خبراء أجانب، وقد احتوى التقرير على ٤ تحفظات تتعلق بسلامة السد والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية على الفئات الفقيرة
في مناطق إنشاء السد ، وكذلك تحفظات تتعلق بتأثيره على الموارد المائية لدولتي المصب وقلة تدفق المياه إليهما وهذه
أمور تحتاج إلى مزيد من الدراسات التفصيلية من جانب الحكومة الأثيوبية لمنع الأثار السلبية للسد كما أكد التقرير علي
ضرورة التنسيق بين الدول الثلاث لإدارة السد علي المستوي السياسي من قادة الدول المعنية.
الحوار العار التاريخي للرئيس مرسي
وقد زاد الأمر تعقيدا إذاعة الحوار العار التاريخي للرئيس مرسي مع ممثلي الجماعات أو ماسمي يومها ” القوي السياسية ” بتاريخ ٣ يونيو العام ٢٠١٣ علي الهواء مباشرة لمناقشة أزمة سد النهضة، وهو ما مثل كارثة محققة لأزمة مياه النيل، وللموقف المصري ” يومئذ ” حيث نتج عنة موجة عارمة من العداء في أفريقيا تجاه مصر ، ومن ثم انتهت أزمة سد النهضة ” قبل أن تبدأ ” لصالح أثيوبيا التي رفضت بعد ذلك التفاوض أو أية حلول وسط فقد قام رئيس الوزراء الأثيوبي باستخدام تسجيل هذا اللقاء وعزمه على رفع دعوى ضد المشاركين فيه أمام محكمة العدل الدولية…
وسوف نستكمل في المقال القادم إن شاء الله تعالى..
حفظ الله الوطن.
*أحمد صادق شرباش
رئيس لجنة إنهاء المنازعات الضريبية
للقناه وسيناء والشرقية
2 تعليقات