توقفنا في المقال السابق مع واقع دول حوض النيل داخليا وخارجيا ووصلنا الى رصد التأثير والنفوذ الصهيوني
في بعض هذه الدول: ” أثيوبيا، وجنوب السودان، وكينيا، وأوغندا إضافة إلى أريتريا وجيبوتي فضلا عن قيام قوات الأفريكوم “القيادة العسكرية الأميريكية لأفريقيا” بتدريب جيوش هذه الدول وقواتها الأمنية لأدركنا أن المسألة أخطر بكثير من وجود أزمة حالة حول مياة النيل رغم أنها مسألة وجود لمصر على وجه الخصوص.
قوة إقليمية بدعم صهيوني أمريكي وأخيرا تركي قطري
ونواصل فنقول: لقد تمكنت أثيوبيا منذ بداية هذا القرن- بسبب الغياب المصري ربما المتعمد وغير المبرر- من أن تصبح قوة
إقليمية في المنطقة بدعم صهيوني أمريكي وأخيرا تركي قطري دفعها لمناجزة النفوذ المصري – السوداني في المنطقة،
بل احتواؤها أيضا، فهي تقيم علاقات أمنية وعسكرية قوية مع كينيا منذ العام ١٩٦٤ عندما عقدت اتفاقية عسكرية معها
لمواجهة المطالب الإقليمية للصومال في أرض الدولتين مستعرضة قواتها العسكرية في حربين متتاليتين مع أريتريا،
ودخلت في الصومال- ولا تزال – وأسقطت حكم اتحاد المحاكم الإسلامية العام ٢٠٠٦ ، ثم استجلبت القوات الأوغندية
والبورندية تحت مظلة الاتحاد الأفريقي- الذي سيطرت عليه – لتواجة شباب المجاهدين في الصومال، ولأول مرة يكون لأثيوبيا
علاقات ذات شأن مع كل من أوغندا وبورندي، ثم إن قواتها وبدعم دولي أكثر من أربعة آلاف جندي موجوده على الحدود
بين السودان وجنوب السودان – فيما مضى حتى العام ٢٠١٣ .
سيناريوهات الأزمة :
ويمكن الوقوف على مجموعة من والسيناريوهات في ظل تعقد الأمور ودخول أطراف جديدة في التصعيد والتأثير،
وإن كان الواقع تخطي ذلك، ولكن من منطلق التعاطي المنصف والرشيد للأمور نحصر هذه السيناريوهات في الأتي:
– السيناريو الأول: يرجح أستمرار التعاون بين دول حوض النيل وتجاوز الخلافات الشكلية الحالية وتغليب المصلحة الجماعية
على التنافس والصراع والمصالح الأحادية الفردية مع تحييد الخلافات السياسية والاجتماعية تأسيسا على وجود آلية للتفاوض
يمكن من خلالها البناء على ما تحقق من قبل” وهو مالم يحدث “.
– السيناريو الثاني: وربما هو الأقرب للتحقيق إذا استحضرنا الإنصاف والتعاون بين الأطراف، ويدور حول موافقة الأطراف
على تأسيس مفوضية عليا يتم من خلالها تنسيق المواقف، وبدء إدارة المشروعات والاستثمارات المتفق عليها
برعاية الأطراف المانحة لهذا السيناريو “وهو أيضا ما لم يتحقق”.
– السيناريو الثالث: قد تكون الأجندات الفردية المدعومة بمصالح خارجية لبعض دول المنبع هي أحد الخيارات المطروحة
والتي تقود إلى احتدام الصراع بين دول حوض النيل، مما يؤثر على خطورة الوضع المائي المصري، إلا أن مصر لن تقبل
بأي حال من الأحوال إنقاص حصتها من مياه نهر النيل، بل تحتاج لزيادة تلك الحصة، وبالتالي لن توقع على أية اتفاقيات جديدة
قبل أن تتأكد من حصولها على حقوقها كاملة، وهذا الذي تتبناه أثيوبيا وتسعى لتحقيقة.
والمخرج: التعامل مع أزمة سد النهضة بشكل منعزل عن مجمل العلاقات المصرية الأفريقية لن يجدي نفعا،
وبالتالي كان علي النظام المصري فيما مضى التحرك على مستويين هما الدبلوماسية الرسمية، والدبلوماسية الشعبية بالتوازي.
إعادة الدور المصري في أفريقيا ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي
فعلى مستوى الدبلوماسية الرسمية والرئاسية فكان على النظام السابق إعادة الدور المصري في أفريقيا ورفع مستوى
التمثيل الدبلوماسي، والاهتمام بالدائرة الأفريقية، والكف عن التصريحات الاستعلائية، ومحاولة مصر سد الفراغ الذي نتج
عن غيابها غير المحسوب عن أفريقيا منذ العام ١٩٩٥حتي العام ٢٠١٤ طوال عقدين من الزمن، واستعادة العلاقات
مع دول حوض النيل كافة من خلال تحقيق مزيد من التقارب والتعاون في المجال التعليمي وتبادل البعثات الطلابية
مما يقرب الشعوب من بعضها البعض، وهو ما سيكون له مردوده على المدى البعيد، أما على المدى القصير
وفيما يخص هذه الأزمة فإنه يجب الاستعانة بأهل الخبره في مجال إدارة الأزمات والمتخصصين في الشأن الأفريقي وخاصة دول حوض النيل، وكذلك الفنيين لتقديم خبراتهم وتوصياتهم لحل هذه الأزمة ومواجهتها بحنكة وصورة جيدة كي لا نقع في أخطاء قد تؤدي إلى مزيد من التعقيد وتأتي بنتائج عكسية لمصلحة مصر، فضلا عن ضرورة التنسيق بين مصر والسودان لمواجهة هذه الأزمة.
وإلى جانب كل ما ذكر يجب على النظام المصري الاستعانة بكبار مفاوضي الدولة والتفاوض المباشر بين الأطراف المعنية وذلك بعد تنسيق الجهود المصرية السودانية بشأن هذه الأزمة لمناقشتها والخروج بنتائج للحفاظ على مصلحة دولتي المصب من المياه ومنع استكمال بناء هذا المشروع الذي لم يقتصر فقط على إنشاء سد النهضة حيث يعد هذا السد واحدا من أربعة سدود، بجانب طرح مصر مشروعا آخر لأثيوبيا يولد الطاقة الكهرومائية بما لا يؤثر على تدفق المياه لمصر والسودان، وبيان مساوئ وأضرار المشروع الإثيوبي على أثيوبيا والسودان، هذا بجانب أنه من الأفضل تسليم ملف المياه لوزارة الدفاع والجهات السيادية كي يمكن تدارك الأمر.
أما على مستوى الدبلوماسية الشعبية، فهو ما سنبدأ به المقال القادم إن شاء الله تعالى.
حفظ الله الوطن .
*أحمد صادق شرباش
رئيس لجنة إنهاء المنازعات الضريبية
للقناه وسيناء والشرقية
2 تعليقات