من عصى ربه فقد ظلم نفسه “مع الآيات ـ حلقة 38″
حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

فى الحلقة 38 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآية 54 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:
“وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”.
في هذه الآية الكريمة يحكي القرآن الكريم قبيحةً جديدة من قبائح بني إسرائيل مع ربهم ومع نبيهم،
ويضمّنها نعمةً من نعم الله عليهم، فبنو إسرائيل الذين أُشربوا حبَّ المعصية واستوطنوها، لا يكادون يتركون مسلكا للمعصية
والعناد إلا وآتوه على مكرٍ منهم وخبثِ طوية، ينعمُ الله عليهم فيبارزونه بالكفر والمعصية،
وينجّيهم من آل فرعون وملئه، وأرجلهم ما زالت مبتلةً فيمرون على قوم يعكفون على أصنام لهم فيطلبون من موسى أن يجعل لهم إلها كمعبود هؤلاء القوم، فهل العقيدة يكفي فيها التقليد الأعمى والهوى الضال؟ لكن هذا ما فعلوه.
يذهب موسى عليه السلام لميقات ربه ليتلقّى لهم المنهج، يعود فيجدهم قد عبدوا العجل من دون الله،
ولم يراعوا حرمةَ غيابِه عنهم، ولم يراعوا نعمَ الله عليهم وكان المنتظر أن يحفظوا هذا الجميل ويبادلون الله بالشكر
والحمد على نعمه الجسيمة، لكنهم أيضا لم يتأدبوا مع هارون عليه السلام فاستضعفوه لدماثة خلقه ولين جنبه،
فاتخذوا العجل وهو رافضٌ كارهٌ لما يحدث لكنه آثرَ وحدة الصف: “إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل”.
المعاملةُ بالمثل
ولما كان الجُرمُ الذي أقدموا عليه عظيمًا، كانت المعاملةُ بالمثل، وضعهم الله تعالى تحت ضغط نفسي وجسدي،
أنه من أراد منهم أن يتوب ويرجع إلى الله فليقتل نفسه، أو ليقتل بعضكم بعضا، أيا كانت الصورة،
المهم أن الأمر صعب جدا على النفس أن تجود بحياتها، لكن جرمهم أعظم، لأنهم فعلوه عنادا وتكبرا، وهكذا عدالة الله تعالى،
وهكذا دين الله تعالى، ولن يشادّ الدينَ أحدٌ إلا غلبَه، والله غالب على أمره.
أمرهم موسى عليه السلام بأوامر الله تعالى أن اقتلوا أنفسَكم لعلَّ اللهَ أن يتقبلَ منكم توبتَكم، لكن ما يلفت النظر هنا:
التأكيدُ على أن الله تعالى لا تنفعه طاعةٌ ولا تضره معصية، فأشار إلى أنهم بهذا الفعل ما ظلموا إلا أنفسهم،
وأعظمُ الظلم هو ظلم النفس، إذن كيف ظلموا أنفسهم بهذا الكفر؟.
أقول: لأنهم بكفرهم استوجبوا العقاب والعذاب الأليم لأنفسهم يوم القيامة، فيكونوا قد عبثوا بأنفسهم وأودُوها المهالكَ
مع أنها أمانةٌ كان ينبغي أن يحافظوا عليها ويسلموها لرحمة الله ونعيمه بدلا من سخطه وعذابه.
وهنا تحديدا ينبغي أن نخرَّ لله سجّدا، لما ميزنا به على سائر الأمم، قد كانت التوبةُ علي بني إسرائيل تقتضي منهم أن يقتلوا أنفسهم، بينما التوبة علينا – أمة محمد صلى الله عليه وسلم- لا تحتاج إلى عظيم مؤنة سوى أن تقلع أيها المسكين عن ذنبك وتصدق في نيتك مع الله تعالى على ألا تعود لمثلها أبدا.
فرفع الله عنا الإصر، وخفف عنا ما أثقل كاهل الأمم السابقة جراء عنادهم وتبجحهم، فلله الحمد والمنة أن جعلنا من أمة خير الانام وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا.